كان المغرب يري في احتلال القوات الفرنسية للجزائر في ثلاثينيات القرن التاسع عشر، تهديدًا مباشرًا له. وأصبح دعم المقاومة الجزائرية بقيادة الأمير عبد القادر أولوية، ولم يدخر السلطان مولاي عبد الرحمن أي جهد لمساعدة الزعيم الجزائري في معركته ضد الهيمنة الفرنسية.
وكان لهذا الدعم، تأثير كبير على العلاقات مع فرنسا. وبحسب المؤرخ رافائيل دانزيغر، فإن "العلاقات الفرنسية المغربية تميزت من 1839 إلى 1843 بجهود السلطان المتواصلة للقضاء على الوجود الفرنسي الخطير في الجزائر".
وفي مقال له بعنوان "موقف سلطان المغرب عبد الرحمن تجاه الفرنسيين كما انعكس في مراسلاته الداخلية (1844 - 1847)"، ذكر أن السلطان حاول صد التهديد الفرنسي "أولاً من خلال قواته الخاصة ثم بوساطة عبد القادر".
القفطان.. رمز سياسي
لقد تجاوز دعم السلطان عبد الرحمن المساعدات العسكرية، واختار لفتة ثقافية قوية للتعبير عن دعمه للأمير وجماعته عن طريق القفطان التقليدي الذي يدل على التفضيل الإمبراطوري. وبحسب مصادر تاريخية، ففي 3 يوليوز 1839، قدم وفد مغربي القفطان للأمير عبد القادر في حفل شهدته حشود جزائرية".
وجاء في كتاب المؤرخ الفرنسي فيليب ديستايلور-شانتيرين، أن السلطان مولاي عبد الرحمن "أرسل إلى عبد القادر مساعدات بمختلف أنواعها وحتى القفطان الأخضر". ويوضح أيضًا أن الوفد المغربي قاموا بتسليمه القفطان في 3 يوليو 1839، وانتشر الخبر بين القبائل الجزائرية إلى طرابلس، ليبيا الحالية.
ولم تكن هذه الهدية مجرد رمز للصداقة؛ لقد كان شهادة سياسية، وكان من شأن القفطان أن يطمئن الأمير عبد القادر ويرسل إشارة واضحة إلى فرنسا بشأن دعم المغرب الثابت للمقاومة الجزائرية، ورمز إلى الاعتراف الإمبراطوري بقيادة الأمير.
ومع ذلك، كان الانتقام الفرنسي سريعا. وبعد سنوات قليلة من تبادل القفطان، هاجمت فرنسا طنجة وموكادور للضغط على المغرب وإجباره على طرد الأمير عبد القادر. وأدى ذلك في النهاية إلى معركة إيسلي عام 1844 ومعاهدة طنجة، التي أعلنت أن الأمير عبد القادر خارج عن القانون وضغطت على المغرب لاعتقاله.
في حين كان القفطان بمثابة رمز سياسي في القرن التاسع عشر، فقد أصبح اليوم نقطة خلاف ثقافي. وتثير أصوله نقاشًا ساخنًا على مواقع التواصل الاجتماعي، كما تقدم المغرب بطلب للحصول على اعتراف اليونسكو به كجزء من تراثه، بينما تزعم أصوات في الجزائر أنه كنز ثقافي "مسروق".