تتذكر ليلى كيلاني فترة السبعينيات والثمانينيات في الدار البيضاء، التي نادرا ما تم تسليط الضوء فيها على ثقافة الصور في الأماكن العامة. وتذكر المخرجة، التي تحب تعريف نفسها على أنها "مغربية باريسية"، لموقع يابلادي أن "سنوات الرصاص صاحبتها العديد من المحظورات، بما في ذلك التصوير في الشوارع". ومن هنا، "كان الذهاب إلى السينما أو مجرد مشاهدة فيلم من الطقوس المقدسة"، وواصلت "كان الولع بالسينما ثمينًا للغاية ومتميزًا بهذه الندرة لدرجة أن هذه اللحظات كان لها طعم الفاكهة المحرمة، وبكثافة لا تصدق" بحسب مخرجة فيلم "Indivision"، فيلمها الطويل الثاني، الذي تناول موضوعات مهمة مرتبطة بالتراث والأسرة والتعايش بين المجتمعات والحاجة الملحة للحفاظ على البيئة.
ونشأت ليلى كيلاني مع شقيقين وأخت في عائلة طنجية الأصل كانت تهتم بالسياسة، وقالت "كل هذا ترك انطباعا لدي، بخصوص التكوين الفكري"، تقول المخرجة التي "تلتهم دائما الكتب" التي كانت في متناولها.
وأضافت ليلى الشغوفة بكتابات فيودور دوستويفسكي وتوني موريسون وجورج بيريك "كان لدي انطباع دائمًا بأنه لا يوجد ما يكفي لإشباع عطشي للقراءة".
وترى ليلى أن الأعمال السينمائية ينبغي لها البحث عن معنى يتجاوز القصة المروية، والتي لا ينبغي أن تكون غاية، بل وسيلة لإعادة اختراع مساحات للتأمل. ولهذا السبب، تدرس التوزيع المغربي لفيلمها الروائي الجديد "أرض الطيور"، بالشراكة مع الائتلاف المغربي من أجل العدالة المناخية.
وقالت إن الفكرة ستكون توسيع نطاق التآزر السينمائي ليشمل ممثلين مختلفين، من الذين يتساءلون عن قضايا المناخ ويعملون حولها. بعد العرض الوطني الأول في الدورة العشرين لمهرجان مراكش الدولي للسينما (FIFM، من 24 نونبر إلى 2 دجنبر 2023)، سيكون الهدف هو "استنزاف الجمهور المعني سواء من هواة السينما أو المواطنين الذين لديهم حساسية تجاه القضية البيئية".
وتدور أحداث فيلم "أرض الطيور" حول دراما عائلية تجري تفاصيلها بمدينة طنجة حيث تعيش "لينا" ووالدها "أنيس" في منزل العائلة القديم. ويشترك الأب وابنته في شغفهما بحب الطيور، وهو الشغف الذي تسبب في وفاة والدة "لينا" ودخول والدها في غيبوبة طويلة. وإثر ذلك، تتعهد "لينا" بالتوقف عن الكلام حتى يشفى والدها، ولكن الأحداث تكشف أن الكلمات هجرتها محتفظة بالأفكار في عقلها وجسدها وعبر صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تابع العديدون بثها المباشر ووالدها حينما كانا يراقبان الطيور.
"كان هناك دعم قوي من الجمهور الشاب حول هذا الفيلم، مع التماهي مع البطلة ورغبة مثيرة في الرغبة في إطالة التجربة، من خلال المناقشات. استنادا إلى ردود الفعل الأولى هذه بعد العروض التي أردنا دعمها بشكل مختلف إصدار الفيلم الروائي في سياقنا الوطني. يعد العرض على الشاشة الكبيرة أيضًا مساحة مدنية لإعادة الابتكار. في عصر Netflix وملاحم Marvel العظيمة، كيف يمكننا اقتطاع مكان صغير في الكتلة الكبيرة من السينما لـ فيلم فني؟ كانت لدينا فكرة استراتيجية التوزيع، مع شراكة ترابطية، من أجل الاستثمار في شيء ما بين ولع السينما وجدال المواطنين. وستكون الفكرة هي توسيع التجربة إلى ما هو أبعد من الفيلم، في شكل محاكمة رمزية للأجيال القادمة”.
ليلى كيلاني
خلق نقاش يتجاوز الخطاب الإعلامي
قبل أن تقف خلف الكاميرا، درست ليلى كيلاني التاريخ والاقتصاد في الجامعة بفرنسا. كان عملها أثناء تحضيرها لنيل درجة الماستر في مدرسة الدراسات المتقدمة في العلوم الاجتماعية (EHSS)، ثم في بحثها في إدارة مكافحة المخدرات في القاهرة، بمثابة "لحظة تأسيسية" لبقية حياته المهنية. حيث خرجت غنية من هذه التجربة الأكاديمية التي بدأت برحلات بعيدة في آسيا، من الصين -عبر طريق الحرير- وقادتها إلى مصر، وقالت "كانت هذه الرحلات بمثابة عملية جعلتني أقرر العودة إلى أحد أشكال الذاكرة لإعادة اكتشاف عروبتي، ولا سيما بفضل البحث الذي أجريته حول أدب الثلاثينيات".
وتتذكر هذه المرحلة باعتبارها "خطوة تأسيسية وطقس عبور نحو الانتماء إلى عالم ثقافي عربي، مع علاقة بالمدينة حيث الحدود هي فقط تلك التي نفرضها على أنفسنا". اكتشفت ليلى الكيلاني "الحرية والسعادة من الحياة اليومية، في عالم غير متجانس وهجين نتطور معه". أثناء دراستها، قامت أيضًا بكتابة مقالات صحفية.
ولكونها من أصل طنجي، تنظر المخرجة إلى سياق ظاهرة الهجرة غير النظامية بشكل مختلف في بداية التسعينيات، فهي "غاضبة جدا من المعالجة الإعلامية التي خصصت لهذا الموضوع"، المغلف بخطاب غربي منفصل عن الواقع على الأرض، ولكن أيضًا التعقيدات المجتمعية المحلية التي تعرفها جيدًا. ثم قررت أن تأخذ الكاميرا لتصنع أول فيلم وثائقي لها بعنوان "طنجة حلم الحراكة" (2002). وقالت "كنت ألتقط الكثير من الصور والأصوات في هذه المدينة.أردت أن أروي هذه القصة من الداخل وبطريقة سينمائية".
" قليلون من المحيطين بي كانوا يؤمنون بإمكانية الانتقال إلى الإخراج وإخراج هذا الفيلم الأول. لكنني فعلت ذلك، ومنذ ذلك الحين، واصلت علاقتي العميقة بالكتابة للصور. لقد حافظت على نفس هذا العناد البديهي منذ شبابي. كل فيلم بالنسبة لي هو المرة الأولى التي أقف فيها خلف الكاميرا ولا أحب تكرار ما قمت به".
بعد فيلم وثائقي ثان (أماكننا المحرمة، 2008)، حاولت المخرجة دخول مغامرة الأفلام الخيالية للمرة الأولى، بفيلمها الروائي الناجح "على الحافة" (2011).
وقالت "إنها علاقة طفولية مع الفن السابع كمصدر للعجب والتساؤل، مع الحاجة إلى أن يكون منطقة لعب، ومختبرًا للخبرة التي تعمل على اقتراح شكل جمالي، مع الوعد بأن نكون دائمًا في عملية بين الإبداع والبحث".
"لا أؤمن بإيديولوجية السينما التي قد تتحول إلى منشور. كمتفرج قبل أن أصبح مخرجا، أجد أن الأفلام التي كان لها تأثير علي هي تلك التي يحكي فيها الشعر، بطريقة أو بأخرى، العلاقة مع الذات وبالعالم. هذا دائما سياسي. أعتقد أن الالتزام بهذه الطريقة يعني الجرأة وتحرير النفس وتجربة الأشياء والابتكار في الأشكال الجمالية".
واليوم، تعتقد ليلى كيلاني بحق أننا "نصنع أفلامًا عن أنفسنا، وواصلت "أفلامي تحكي لي قصصًا. تتحدث عن محنتي وآمالي. أحاول العثور على ترجمة سينمائية لكل هذا، مع وصف بعض المرويات المغربية".
وأكدت أن "هناك مدن تحتويك، تنتمي إليك وتجاوزك. بالنسبة لي، طنجة هي التي تربطني بها علاقة حب قوية...، لأنها مدينة جمالية تتمتع بكثافة وتصوير سينمائي لمدينة عالمية يصعب العثور عليه في أي مكان آخر. إنها مدينة تصبح فيها جميع الأسئلة المجردة مادية ورسومية وسينمائية...".