ولد عبد الرحمن بن محمد بن محمد، ابن خلدون أبو زيد، ولي الدين الحضرمي الإشبيلي بتونس يوم 27 ماي 1332 للميلاد لأسرة عربية من أصول يمنية، هاجرت من إشبيلية مع بداية سقوط الأندلس إلى تونس. درس القرآن الكريم وتفسيره والحديث والفقه واللغة وعلوما أخرى على يد عدد من علماء تونس، وتميز بعبقريته وسعة الاطلاع وشغفه بالمعرفة.
كان ابن خلدون عالما موسوعيا متعدد المعارف والعلوم، وهو مؤسس علم الاجتماع وأول من وضعه على أسسه الحديثة، كما أنه يعتبر مجددا في التاريخ، وأحد فقهاء المالكية...
التحق في بداية مسيرته بعدما تخرج من جامعة الزيتونة، ببلاط بني مرين، وعينه سلطان المغرب الأقصى أبو عنان عضوا في مجلسه العلمي بفاس، لكن سرعان ما تبدلت الأحوال، حينما علم السلطان أن ابن خلدون يخطط رفقة أبي عبد الله محمد الحفصي أمير بجاية المخلوع، لكي يسترد هذا الأخير ملكه فأمر بسجنه.
وجاء في كتاب رحلة ابن خلدون لمحمد بن تاويت الطنجي "في فترات من حكم المرينيين شهدت دسائس وصراعات لم يكن ابن خلدون بعديا عنها وكاد أحيانا أن يكون ضحية لها لا سيما في عهد أبي عنان في فاس الذي ناداه ليلتحق بمجلسه العلمي بعدما ذاع صيته في تونس".
وأضاف الكاتب نفسه "ومعروف أن نهاية فترة أبي عنان وهو السلطان نفسه الذي رعا ابن بطوطة شهدت ظهور عدد من المتنازعين على السلطة، وهي فترة قضاها ابن خلدون معتقلا في السجن بسبب انخراطه في اللعبة السياسية".
وبعد وفاة السلطان أبو عنان، وخلافته من قبل أبي سالم أبي الحسن، غادر ابن خلدون السجن، وصار ذا حظوة ومكانة عظيمة في ديوان الحاكم الجديد، وفي أوائل سنة 1362 للميلاد، توجه ابن خلدون إلى غرناظة بالأندلس، واستقبله محمد بن يوسف بن الأحمر سلطان غرناطة، وكلفه بالسفارة بينه وبين ملك قشتالة لعقد الصلح بينهما.
وبعد ذلك توجه ابن خلدون إلى مصر واستقبله السلطان الظاهر برقوق، وعينه لتدريس الفقه المالكي بمدرسة القمصية، كما ولاه منصب قاضي قضاة المالكية.
وإضافة إلى ارتباطه بالحكام، فقد عمل ابن خلدون مدرسا في الأزهر والقرويين، حيث جاء في كتاب "ابن خلدون" لعمر فاروق الطباع أنه عمل "بالتدريس في بلاد المغرب، بجامعة القرويين في (فاس)، ثم في الجامع الأزهر في القاهرة، والمدرسة الظاهرية".
وكتب ابن خلدون في الاقتصاد وعلم الأحياء والفلسفة، لكن يبقى أشهر ما كتب هو كتاب "العبر"، بمقدمته المشهورة بـ "مقدمة ابن خلدون"، هو كتاب ضخم مؤلف من سبعة أجزاء وثامنها الفهرس، وتوصل فيه إلى نظريّات باهرة حول قوانين العمران ونظرية العصبية، وبناء الدولة وأطوار عمارها وسقوطها.
وبحسب ما جاء في كتاب رحلة ابن خلدون لمحمد بن تاويت الطنجي، فإنه "لم ينل كاتب في العربية ما ناله ابن خلدون من مكانة وشهرة، ولم يحظ عالم في التاريخ والاجتماع بما حظي به هذا العلامة من قراءة وبحث وجدال حول أعماله، لا سيما مقدمته التي تجمع حركة الفكر العربي على اعتبارها فتحا فكريا وأساسا متقدما لعلم الاجتماع".
ويعتبر المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي في كتابه "دراسة التاريخ" أن ابن خلدون "قدم فلسفة للتاريخ تعتبر من دون شك من أعظم ما أنتجت عبقرية لم يكن لها مثيل في أي مكان أو زمان".
فيما قال عنه الأكاديمي الفرنسي إيف لاكوست في كتابه "العلامة ابن خلدون" إن "التحليل والتأليف والبحوث التي حققها هذا المغربي العبقري في القرن الرابع عشر تساعدنا اليوم على إجادة فهم القضية التي هي بلا ريب أوسع القضايا وأشدّها مأساوية في عصرنا؛ ألا وهي التخلف".
ويضيف الكاتب نفسه أن "الشيء الخارق في فكر ابن خلدون هو أنه بالفعل طرح بوضوح إلى حد ما، عدد من المسائل التي يطرحها المؤرخون الحاليون، وإنه بحث عن أجوبة لهذه المسائل الأساسية في تحليل البنى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية".
توفي ابن خلدون في القاهرة بمصر سنة 1406م، وتم دفنه بمقابر الصوفية بشمال المدينة، وترك أثرا كبيرا في الفكر العربي والعالمي.