كانت فرنسا قبل سنتين من اندلاع الحرب العالمية الثانية، متخوفة من اندلاع حرب بينها وبين ألمانيا على الأراضي المغربية، وكثفت من تحركاتها الدبلوماسية من أجل الحفاظ على سيطرتها العسكرية على المغرب.
وقال سفير الولايات المتحدة في باريس في رسالة موجهة إلى وزارة الخارجية الأمريكية يوم 9 يناير 1937، "الحكومة الفرنسية تخشى منذ أسابيع عديدة أن يقوم الألمان، تحت غطاء إرسال تعزيزات إلى فرانكو، بإرسال قوات إلى المغرب الإسباني واحتلال تلك المنطقة".
وأضاف أن "الاحتلال الألماني للمغرب الإسباني من شأنه أن يقطع الاتصالات الفرنسية مع مستعمرات شمال إفريقيا. ومن شأنه أن يقطع اتصالات إنجلترا عبر البحر الأبيض المتوسط، وسيكون أمرًا لا يطاق بالنسبة لفرنسا أو إنجلترا".
وجاء في المراسلة أن "السفير الفرنسي في برلين، ناقش الوضع المغربي مع وزير الخارجية الألماني وتلقى تأكيدات بأن الحكومة الألمانية ليس لديها أي نية لإرسال قوات إلى المغرب...، وقال إنه يرى أن الشأن الإسباني يجب أن يتحول إلى عنصر لتوطيد الصداقة بين فرنسا وألمانيا وليس إلى عنصر للخلاف".
غير أنه وبعد هذه المحادثات -تؤكد الوثيقة ذاتها- توصلت الحكومة الفرنسية بمعلومات من "وكلائها في المغرب الإسباني تفيد بأن 300 جندي ألماني قد تم إنزالهم في المغرب الإسباني وأن عقودا تم إبرامها من قبل عملاء ألمان في المغرب الإسباني لتوفير أماكن إقامة وإمدادات غذائية لـ 3000 جندي ألماني في سبتة والجوار".
وسارعت فرنسا للتأكيد بعد هذه المعلومات على أنها "القوة الحامية في المغرب، والمسؤولة عن الحفاظ على سيادة السلطان في المغرب الإسباني وكذلك في المغرب الفرنسي"، وتابعت أنه "بموجب الاتفاقيات الدولية المعروفة فيما يتعلق بالمغرب، لا تستطيع إسبانيا السماح لقوات أي دولة أجنبية بدخول المنطقة الإسبانية ولا يمكنها تلقي المساعدة من أي دولة أجنبية في المنطقة الإسبانية"، وحذرت فرانكو "من أن فرنسا لن تتسامح مع أي تعليق للامتيازات المتعلقة بالمغرب".
وأمام هذا الوضع أبلغت الحكومة الفرنسية الحكومة البريطانية بأن "الفرنسيين على وشك إرسال جزء من أسطولهم إلى ساحل المغرب الإسباني لأغراض المراقبة". وأوضح الأمين العام لوزارة الخارجية الفرنسية أنه بموجب اتفاق مع إسبانيا يحق للفرنسيين إرسال سفنهم الحربية إلى ميناء سبتة دون إبلاغ الحكومة الإسبانية." وقال إنه تم إرسال السفن الفرنسية إلى المياه الإسبانية المغربية لمراقبة جميع عمليات الإنزال في المغرب الإسباني بالضبط".
وطلبت الحكومة الفرنسية من بريطانيا إرسال سفن "إلى المياه الإسبانية المغربية بغرض المراقبة" وردت الحكومة البريطانية أنها ستناقش الطلب. وأكدت فرنسا لبريطانيا أن 3000 جندي ألماني سيتوجهون إلى المغرب الإسباني "ليس عن طريق المحيط الأطلسي ولكن عبر إيطاليا والبحر الأبيض المتوسط".
ورد وزير الدولة البريطاني للشؤون الخارجية بأنه إذا كانت هذه المعلومات صحيحة فإن تصرفات إيطاليا لا تتفق مع الاتفاقيات الموقعة.
وكانت فرنسا تعتبر إرسال القوات الألمانية إلى المغرب الإسباني بمثابة محاولة لإنشاء قاعدة ألمانية لاحتمال نشوب حرب في الربيع أو استحواذ ألمانيا على المجال الاستعماري الفرنسي.
وسعت فرنسا لمنع اندلاع حرب تجمعها إلى جانب إنجلترا، ضد ألمانيا وإسبانيا وإيطاليا، على أرض المغرب، قبل أن تتوسع رقعتها بعد ذلك.
وفي ختام رسالته قال السفير الأمريكي "إن أوروبا اليوم متوترة للغاية مع توقع الحرب، لدرجة أننا يجب أن نتوقع وقوع حادث من هذا النوع كل بضعة أسابيع".
وبعد أقل من سنتين اندلعت الحرب العالمية الثانية، وأسفرت عن هزيمة إيطاليا وألمانيا واليابان وتراجعت مكانة القارة الأوروبية ولم تعد فرنسا وبريطانيا تهيمنان على العالم وبرز قطبان جديدان هما الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي.