لم تعلق الحكومة الجزائرية إلى حدود الآن على تعيين سفير جديد لها بمدريد، وإنهاء القطيعة الدبلوماسية المستمرة منذ 19 شهرا مع إسبانيا، وفسحت المجال أمام وسائل الإعلام لتبرير القرار، الذي جاء رغم عدم تغيير إسبانيا لموقفها من نزاع الصحراء، واستمرار دعمها لمقترح الحكم الذاتي المغربي.
وكانت الجزائر قد استدعت سفيرها في مدريد خلال شهر مارس من السنة الماضية، على خلفية دعم إسبانيا لمقترح الحكم الذاتي، ووصفت قرار مدريد بأنه "انقلاب مفاجئ"، وفي 8 يونيو 2022، قررت تجميد معاهدة الصداقة والتعاون الموقعة مع إسبانيا سنة 2002، كما اتخذت إجراءات لعرقلة التجارة مع المملكة الإيبيرية.
ومنذ ذلك الحين والمسؤولون الجزائريون يشترطون تراجع مدريد عن دعمها للمقترح المغربي، من أجل إعادة العلاقات إلى سابق عهدها، وفي 26 إبريل الماضي، أعلن الرئيس عبد المجيد تبون رفضه لعودة السفير الجزائري إلى مدريد، مشيراً إلى أن عودته تعتمد على توضيحات صريحة من إسبانيا لإعادة بناء الثقة بين البلدين.
وكانت الجزائر تعول على خسارة الحزب الاشتراكي للانتخابات التشريعية الاسبانية التي جرت خلال شهر يوليوز الماضي، وصعود الحزب الشعبي اليميني للسلطة، ما سيفتح الباب أمام إمكانية مراجعة مدريد لموقفها من نزاع الصحراء، غير أنه وعلى عكس استطلاعات الرأي نجح سانشيز في الحفاظ على منصبه رئيسا للحكومة لولاية ثانية.
وفي قرار مفاجئ، ورغم استمرار تأكيد إسبانيا على دعمها لمقترح الحكم الذاتي المغربي، أعلنت وسائل إعلام إسبانية قبل أيام قليلة، تعيين الجزائر لعبد الفتاح دغموم، سفيرا لها في مدريد، ولم تتطرق وسائل الإعلام الجزائرية الرسمية والخاصة لتعيين السفير الجديد.
وسبق عودة السفير الجزائري إعلان الشركة العامة للخطوط الجوية الجزائرية استئناف رحلاتها إلى المدن الإسبانية الكبرى، وبالتالي رفع العقوبات التي تم فرضها على إسبانيا، في ماي 2022، ردا على دعم بيدرو سانشيز للموقف المغربي من نزاع الصحراء.
صمت رسمي وتبريرات إعلامية
ومنذ الإعلان عن تعيين السفير الجزائري في مدريد، تحاول وسائل الإعلام المقربة من السلطة تبرير القرار، وتخلي الجزائري عن شرط عدول مدريد عن دعم مقترح الحكم الذاتي.
ويتحدث الإعلام الجزائري عن وجود إشارات لعدول بيدرو سانشيز عن دعمه لمقترح الحكم الذاتي المغربي، ومن بين هذه الإشارات حسب صحيفة "أوراس" إعلان مديرة قناة أرتيفي العمومية عن أن عرض خريطة للمغرب تشمل الصحراء كان مجرد خطأ.
بدورها تطرقت جريدة "الشروق" لاعتبار القناة الاسبانية نشر خريطة المغرب الكاملة مجرد خطأ، وقالت "إن تصحيح الخطأ جاء بمراجعة تلقائية من القناة التلفزيونة ذاتها، إلا أن البعد السياسي كان حاضرا بطريقة أو بأخرى، فالحادث تزامن وبداية استعادة العلاقات الجزائرية الإسبانية للنزر القليل من عافيتها، ولذلك حرصت رئيسة مجلس إدارة القناة على عدم إقحام الحكومة الإسبانية في القضية، حتى لا تثير غضب الطرف الجزائري، الذي لا يزال غاضبا جدا من الطرف الإسباني".
وتابعت الصحيفة أن "السلطات الإسبانية تحرص في الآونة الأخيرة على تحاشي القيام بأي قرار من شأنه أن يؤدي إلى استفزاز الجزائر، تفاديا لعودة العلاقات الثنائية إلى مربع البداية".
فيما أرجع موقع "أوراس" تاريخ بداية مراجعة سانشيز لموقفه إلى شهر شتنبر الماضي، وقال إن رئيس الحكومة الاسبانية طالب "أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، بحلّ سياسي لنزاع الصحراء الغربية، دون أن يشير إلى مقترح الحكم الذاتي المغربي".
وجاء ترحيب الإعلام الجزائري بكلمة سانشيز، رغما أنها في حقيقة الأمر لم تحمل أي إشارة لتغيير موقف مدريد من نزاع الصحراء، وكان رئيس الحكومة الإسبانية، قد أدلى بنفس الكلمة تماما فيما يخص نزاع الصحراء على نفس المنبر السنة المضية وقال إن "إسبانيا تؤيد حلاً سياسياً مقبولاً بشكل متبادل في إطار ميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن".
وعلى عكس تأويلات البوليساريو والجزائر، فإن سانشيز تجاهل حتى قبل إعلان دعمه لمقترح الحكم الذاتي (14 مارس 2022) "حق تقرير المصير لشعب الصحراء الغربية" و "تنظيم استفتاء" في الصحراء، في خطاباته بالجمعية العامة للأمم المتحدة سنوات 2019 و 2020 و 2021.
تجاهل لتصريحات الدبلوماسية الاسبانية
وتجاهل الإعلام الجزائري تصريحات وزير الخارجية الاسباني خوسيه مانويل ألباريس، أثناء زيارته قبل أيام للمغرب، حيث جدد خلال ندوة صحفية مشتركة مع نظيره المغربي بالرباط التأكيد على أن "موقف إسبانيا المتعلق بقضية الصحراء لم يتغير، وهو الموقف الذي سبق التعبير عنه في الإعلان المشترك الذي تمت المصادقة عليه في 7 أبريل 2022، والإعلان الذي توج الدورة 12 للاجتماع رفيع المستوى المغرب - إسبانيا المنعقد في فبراير 2023".
يذكر أن الإعلان المشترك المصادق عليه في 7 أبريل 2022، خلال اللقاء بين الملك محمد السادس ورئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، ينص على أن "إسبانيا تعتبر المبادرة المغربية للحكم الذاتي التي تم تقديمها سنة 2007 الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية لتسوية هذا النزاع".
كما أكد ألباريس أن المغرب يشكل "الأولوية الأولى للسياسة الخارجية الإسبانية. وتربطنا به بالفعل شراكة متميزة، شراكة مربحة لكلا الجانبين"، مضيفا أن "جميع التدابير التي اتخذناها معا تعود بالنفع على البلدين".