يحاول قادة الجزائر منذ عقود الربط بين القضية الفلسطينية وقضية الصحراء، من أجل جذب الانتباه إلى هذا النزاع الإقليمي المستمر منذ السبعينات، كما حاولوا في العديد من المناسبات دفع الفلسطينيين إلى الاجتماع بقادة جبهة البوليساريو واستصدار مواقف مؤيدة منهم لصالح الجبهة الانفصالية، غير أنهم فشلوا في مسعاهم، إذ كان الفلسطينيون ولا يزالون يقفون موقف الحياد من النزاع بين المغرب والجزائر.
ويوم أمس حاولت الجزائر استغلال الأوضاع المتوترة في غزة، ورتبت لقاء بين بين ممثل البوليساريو في الجزائر ونظيره من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، التي وبالرغم من تواجدها في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وفي جميع الدوائر المهمة فيها، إلا أنها لا تشكل ثقلا في القرار الفلسطيني.
وفشلت الجزائر في دفع الفصائل الفلسطينية الفاعلة لإقامة علاقة مع جبهة البوليساريو، أو اتخاذ مواقف تعادي الوحدة الترابية للمملكة، فباستثناء الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والتي تعاني من تراجع كبير يشببه البعض "بالموت السريري"، لم تتمكن الجزائر من برمجة لقاءات بين الجبهة الانفصالية والحركات الفلسطينية.
نجاح جزائري مؤقت
وتعود المحاولات الجزائرية لإقحام الفلسطينيين في صراع الصحراء إلى سنوات طويلة، ففي سنة 1987، استغلت انعقد المجلس الوطني الفلسطيني بالجزائر العاصمة، ونجحت في فرض حضور زعيم البوليساريو في الاجتماع.
وفي خطابه شبه زعيم البوليساريو الراحل محمد عبد العزيز المغاربة بالصهاينة، على مسمع من ياسر عرفات الذي كان قد وعد قبل أيام من انعقاد المؤتمر وفدا مغربيا بقيادة أحمد بنسودة مستشار الحسن الثاني، بعدم حضور زعيم الجبهة الانفصالية.
ورد الحسن الثاني بإلقائه خطابا شديد اللهجة قال فيه "لقد أصدرنا أمرنا الى جميع ممثلينا، كانوا رسميين أو غير رسميين، يمثلون الأحزاب السياسية أو الهيئات الأخرى، أنهم اذا حضروا أي حفل دولي وقام أي فلسطيني يتكلم عن فلسطين أن يغادروا مكان الاجتماع".
وبعد مدة قصيرة عادت المياه إلى مجاريها، وكان عرفات يحرص على زيارة المغرب والالتقاء بالملك الحسن الثاني، من أجل إطلاعه على آخر مستجدات القضية الفلسطينية.
وبعد التوقيع على اتفاقية "أوسلو" بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل في شتنبر 1993، وإعلان إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية، وقف المسؤولون الفلسطينيون على مسافة واحدة من المغرب والجزائر، ولم يتدخلوا في نزاع الصحراء.
حماس ترفض التعامل مع البوليساريو
ومع مرور السنوات، بدأت فصائل جديدة تظهر على الساحة الفلسطينية، وخصوصا حركة المقاومة الإسلامية حماس التي تأسست سنة 1987، ومع بداية الألفية الثالثة تقوت حماس وصارت من بين أكبر الفصائل الفلسطينية، وفي سنة 2006 فازت بالانتخابات التشريعية، وفي سنة 2007 دخلت في نزاع مسلح مع خصمها الرئيسي حركة فتح، انتهى بسيطرتها على قطاع غزة.
وفي سنة 2016 حاولت الجزائر إقحام حماس في ملف الصحراء، عن طريق الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، التي راسلت وزارة داخلية قطاع غزة (تابعة لحماس) من أجل السماح لها بتأسيس "اللجنة الفلسطينية للتضامن مع الشعب الصحراوي".
واختارت حماس الرد بمراسلة رسمية عممتها على وسائل الإعلام، جاء فيها أنه يحظر القيام "بأي اعمال أو نشاطات تحت هذا العنوان أو مرتبطة به بأي شكل من الأشكال، وتحت طائلة المسؤولية".
وبعد ذلك خرج مسؤولو الحركة للتعبير عن رفضهم لإقحام الفلسطينيين في نزاع الصحراء، وقال صلاح البردويل القيادي البارز في حماس "نحن ننأى بأنفسنا وبمقاومتنا عن أي خلافات عربية ـ عربية، احترامنا للأطراف العربية ولأنفسنا لا يسمح لنا بذلك، وليس لدينا متسع من الوقت لمثل هذا".
وأضاف "لا نسمح ولا يوجد لدينا في غزة أي توجه من هذا القبيل، ولا توجد لدينا أي جمعيات أو لجان بهذا الاسم، هذا هراء وغير موجود إطلاقا".
وفي سنة 2018 نأت الحركة بنفسها عن رفع علم جبهة البوليساريو في قطاع غزة وقال الناطق الرسمي باسمها سامي أبو زهري إنه "ينبغي عدم التوقف عند بعض الأعمال الفردية التي ترفضها حركة حماس، والتي لا علاقة لها بحركة حماس".
وتابع أن "حركة حماس حريصة على الارتباط بعلاقات جيدة مع كل الأطراف العربية، وعلى عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وعدم التدخل في الخلافات التي بين دولة وأخرى".
واقعة الكركرات والفلسطينيين
وبعدما تدخل المغرب عسكريا في معبر الكركرات في نونبر 2020 لتأمين مرور البضائع والأشخاص، وطرد ميليشيات البوليساريو، حاولت الجزائر عبر بعض جرائدها إقحام فلسطين في نزاع الصحراء، من خلال نشر تصريحات منسوبة للسفير الفلسطيني في الجزائر "يتبرأ" فيها من تصريحات للسفير الفلسطيني في الرباط.
وتدخلت الحكومة الفلسطينية عبر وزارة الخارجية والمغتربين، وقالت في بيان لها "في ضوء ما تناقلته بعض وسائل الإعلام من تصريحات نسبت إلى سفيري دولة فلسطين لدى كل من المملكة المغربية الشقيقة، ولدى الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية الشقيقة، فإن دولة فلسطين تؤكد على موقفها التقليدي والثابت، بأنها لا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية الشقيقة، وأن أية تصريحات بخلاف ذلك لا تمثلها".
ولم تتوقف المحاولات الجزائرية لاستمالة الفلسطينيين، بل زادت حدتها بعد توقيع اتفاق التطبيع في دجنبر 2020، غير أن القادة الفلسطينيين، ظلوا يفضلون النأي بأنفسهم عن الخلاف بين البلدين.