القائمة

أخبار

بعد الانقلابات.. أيّ مستقبل لعلاقات المغرب بدول غرب إفريقيا؟

الانقلابات في عدد من دول إفريقيا تشي بإمكانية وقوع تغييرات كبيرة في القارة. والمغرب الذي يحظى بعلاقات مميزة مع بعضها، من بين الدول المعنية بهذه التغييرات. فما التأثير المنتظر على الاستثمار المغربي وكذلك على ملف الصحراء؟

(مع DW)
نشر
DR
مدة القراءة: 6'

تتوالى الانقلابات في غرب ووسط إفريقيا، كأنها قطع دومينو تؤثر في بعضها بعضاً. آخرها وقع في الغابون، حيث وضع الجيش الرئيس علي بونغو أونديمبا تحت الإقامة الجبرية، ليضاف هذا البلد إلى بلدان أخرى استولى فيها العسكر على السلطة في آخر ثلاث سنوات، وتحديداً في النيجر وبوركينا فاسو وغينيا ومالي.

يتابع المغرب هذه المستجدات بكثير من الترقب، إذ يحتفظ بعلاقات قوية مع جلّ هذه الدول، سواء على الجانب الاقتصادي، إذ ركزت الرباط في العقد الأخير على تقوية حضورها الاستثماري في القارة السمراء، أو على الجانب السياسي، خصوصا ما يتعلق ببحث المغرب عن دعم خطته فيما يتعلّق بنزاع الصحراء.

استثمارات كبيرة

تعدّ الغابون من الوجهات المفضلة للملك محمد السادس في القارة الإفريقية، سواء لقضاء عطله أو لأجل عقد زيارات عمل كتلك التي قام بها شهر فبراير/شباط من هذا العام، سلّم خلالها هبة تتكون من 2000 طن من الأسمدة للمزارعين الغابونيين، وهي ترجمة لعلاقات قوية، بدأت منذ عهد الحاكمين الراحلين، الملك الحسن الثاني والرئيس عمر بونغو أونديمبا.

الأمر ذاته ينطبق على بقية الدول الإفريقية التي شهدت مؤخراً انقلابات، وعدد من الدول الأخرى في القارة خصوصاَ في وسطها وغربها مع اختلاف الدرجات.

ينعكس هذا أولاً على المبادلات التجارية، التي بلغ نموها بين المغرب وباقي دول القارة 6.1 بالمئة ما بين 2009 و2019، حسب بيانات رسمية مغربية، كما تستحوذ إفريقيا على 43 بالمئة من الاستثمارات المغربية المباشرة في الخارج، حسب أرقام مكتب الصرف المغربي عام 2021.

علاقات المغرب القوية بهذه الدول لا تتلخص فقط في الجانب الاقتصادي، بل تعتبر الدبلوماسية الدينية بين الرباط والدول ذات الغالبية المسلمة واحدة من أوجه هذه العلاقة.
"عدد من الدول الإفريقية حققت خلال السنوات العشرين الأخيرة معدلات نمو لا بأس بها، ما أدى إلى تحسين القدرة الشرائية، وبالتالي توفير مناخ للاستثمار الأجنبي" يقول رشيد أوراز، باحث رئيسي في المعهد المغربي لتحليل السياسات، لـDW  عربية، متحدثا كذلك عن وجود أسباب أخرى للاستثمار المغربي كالعلاقات التاريخية والقرب الجغرافي.

ووفق أرقام وزارة المالية المغربية، فهناك نمو سنوي لهذه الاستثمارات -التي تغطي قائمة 30 دولة إفريقية- بحوالي 8.3 في المئة، ونجد مالي وبوركينا فاسو والغابون وساحل العاج ضمن هذه القائمة. وأهم قطاعات الاستثمارات المغربية تتركز في البنوك والشركات القابضة والتأمين والاتصالات والتجارة.

تأثيرات منتظرة؟

لكن الموقف السياسي لا يتحكم بالضرورة في العلاقات التجارية، فالتوتر بين المغرب والجزائر قديم وإن تطوّر مؤخراً، لكنه لم يمنع الجزائر من أن تحلّ عام 2019 في المركز الخامس في قائمة وجهات الصادرات المغربية نحو إفريقيا. كما تتزعم مصر قائمة مستقبلي الاستثمارات المغربية رغم أنها تحافظ على موقف محايد في موضوع الصحراء.

ويرى رشيد أوراز أن تأثيرات الانقلابات على الجانب الاقتصادي غالباً ما تكون سلبية، إذ يمكن أن تؤدي إلى فوضى وعدم استقرار وتراجع النمو الاقتصادي، وبالتالي تفقد هذه الدول جاذبيتها وتنافسيتها وانفتاحها، خصوصاً على قطاعات كالبنوك والتأمينات وتطوير البنى التحتية، وهي القطاعات التي يركز عليها المستثمرون المغاربة. كما تفتح هذه الاضطرابات المجال لقوى اقتصادية أكبر قادرة على تحمل المخاطر.

علاقات المغرب القوية بهذه الدول لا تتلخص فقط في الجانب الاقتصادي، بل تعتبر الدبلوماسية الدينية بين الرباط والدول ذات الغالبية المسلمة واحدة من أوجه هذه العلاقة، خصوصاً منذ تدشين الرباط لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة التي دعت أعضاء من 30 دولة إفريقية.

تأثير على ملف الصحراء؟

بيد أنّ العلاقة على ضوء ملف الصحراء تبقى من الأبرز والأقوى خصوصاً منذ عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، وهو ما أكد عليه الملك محمد السادس عندما قال في خطاب العرش لعام 2022 إن ملف الصحراء هو "النظارة" التي تنظر بها بلاده إلى العالم.

وأكثر ثمرة لتطوّر هذه العلاقات، أن 22 دولة إفريقية فتحت قنصليات لها سواء في الداخلة أو العيون في الصحراء الغربية، ما يعني اعترافها بالسيادة المغربية عليها. ومن هذه الدول بوركينا فاسو وغينيا والغابون.

بينما تدعم النيجر الموقف المغربي لكن ليس بالقوة ذاتها ولم تتخذ قراراً مماثلاً بفتح قنصلية، فيما تبقي مالي موقفها محايداً في الملف وتربط بينه وبين تسوية أممية، ما يفسر بحثها عن علاقة متوازنة مع المغرب ومع جارتها الشمالية، الجزائر.

ويرى حسني عبيدي، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جنيف، أنه بشكل عام، ليس من مصلحة القادة الجدد في دول الانقلابات إجراء تغييرات كبيرة لوجود مرحلة انتقالية خصوصا العلاقات الخارجية. ويعطي عبيدي بالمثال ببريس أوليغي أنغيما رئيس المجلس العسكري الانتقالي للغابون، فهو خريج الأكاديمية العسكرية في مكناس وسط المغرب.

ويوضح عبيدي، في حديثه لـDW  عربية أنها لم تحسم مواقفها بعد، ولديها ما يكفي من القضايا الداخلية حتى تتفرغ للسياسة الخارجية، لكنه يستطرد أن العلاقات المغربية مع مالي وبوركينا فاسو والنيجر ليست قوية كما هو الحال مع الغابون الذي يحظى بعلاقة خاصة مع المغرب.

تنافس مغربي-جزائري؟

بيدَ أن خارطة التنافس بين المغرب والجزائر في القارة الإفريقية قد تتغير، وأنظمة الحكم العسكرية الجديدة قد تغيّر من تحالفاتها الخارجية، خصوصاً مع الصراع الغربي-الروسي في القارة الإفريقية، وتقوّي الحضور الروسي في المنطقة.

ومن المؤشرات على إمكانية وقوع تغيير كبير في المنطقة، الاتهامات التي توجه لروسيا بدعم موجة الانقلابات في إفريقيا، وكذلك ما يظهر أنه اتفاق بين عدد من قادة الانقلاب في هذه الدول على الخروج من الجلباب الفرنسي، خصوصاً في النيجر التي تشهد مظاهرات كبيرة ضد فرنسا، وكذلك في مالي وبوركينا فاسو اللتان طردتا السفيرين الفرنسيين.

لكن حسني عبيدي، يقول إن هذه الدول حريصة على عدم التباهي بالدور الروسي حتى إن وُجد، ويقول: "دور موسكو لم يكن كبيرا في الانقلابات الأخيرة، وحجم التبادل الاقتصادي ضعيف جدا بين روسيا وهذه الدول".

الجزائر من جانبها لم تقف دون حراك. فوزير الخارجية أحمد عطاف كان قد زار هذا العام، في أوّل جولة خارجية يجريها، موريتانيا ومالي والنيجر، وهي دول رئيسية في منطقة الساحل.

كما أعلنت الجزائر عن تخصيص مليار دولار لتمويل مشاريع تنموية في الدول الإفريقية، كما انضمت مؤخراً إلى الاتفاق المؤسس للبنك الإفريقي للاستيراد والتصدير، لأجل تقوية علاقاتها الاقتصادية مع القارة.

لكن الهاجس الأكبر في التحرّك الجزائري لا يظهر بالضرورة تنافساً مباشراً مع المغرب، إذ تعطي الجزائر أسباباً أمنية، خصوصا أنها أكبر دول إفريقيا مساحة، وتشترك في حدود واسعة مع تشاد ومالي. كما أنّ هناك مخاطر كبيرة من تحويل أجزاء كبيرة من الساحل الصحراوي إلى "بؤر تهديدات إرهابية" حسب مواقف جزائرية رسمية.

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال