القائمة

الرأي

مسلسل طويل وليس فيلما قصيرا

أصوات كثيرة في الغرب بدأت ترى أن الربيع العربي تحول إلى خريف أصولي، وأن الموجة الأخيرة من الديمقراطية التي ضربت العالم العربي لم تخدم الأجندة الليبرالية للشباب الذين فجروا الثورات، بل حملت قوارب الإسلاميين إلى السلطة، وأن هؤلاء الإسلاميين سيعيدون إنتاج استبداد القذافي ومبارك وبنعلي وعلي عبد الله صالح في قوالب دينية جديدة، تعصف بالمكاسب القليلة التي ربحتها المرأة والحريات الفردية في أزمنة الاستبداد الماضية. الإخوان بدل الحزب الوطني، والنهضة بدل التجمع الدستوري، والإسلاميون المتشددون بدل كتائب القذافي... 

نشر
DR
مدة القراءة: 3'

هذه قراءة سطحية مسكونة، من جهة، بجهل كبير بحقائق المجتمعات العربية، ومن جهة أخرى بخوف مرضي من الإسلام. كيف ذلك؟ 

أولا، الربيع العربي، كما كل التحولات الكبرى في المجتمعات، مسلسل طويل من عدة حلقات، وليس فيلما قصيرا بدأ السنة الماضية وانقضى الآن، وهذا المسلسل يشبه المسلسلات المكسيكية الطويلة، مازالت أحداثه لم تتضح بعد، ومازالت مفاجآته في الطريق، ومازال الصعود والنزول ينتظران كل القوى التي تتحرك داخله. 

ثانيا، الربيع العربي لم يكن حملا ديمقراطيا وضع مولودا بملامح واضحة وهوية محددة، يوم رحل الحكام العرب عن عرش السلطة، أبدا. الربيع العربي دينامية سياسية متحركة ومتفاعلة، فنحن لسنا أمام ميلاد أنظمة ديمقراطية على طريقة تسليم المفاتيح clés en main. الربيع العربي جاء كمعول لهدم السلطوية العربية، لكنه لم يفرز بعد نموذجا ديمقراطيا. صحيح أن القوى السياسية الدينية استفادت منه لأنها كانت خارج تركيبات السلطة التي انهارت، ولأنها كانت الأكثر تنظيما وحضورا في وسط المجتمعات التي كانت أفواهها مكممة، وبالتالي، فطبيعي جدا أن يقع اختيار الناس عليهم لأنهم الأكثر حضورا والأكثر تضررا من حكم الأنظمة التي انهارت، لكن هذا لا يعني أن المواطنين لن يختاروا قوى أخرى تحكمهم في المستقبل. 

ثالثا: المجتمعات العربية اليوم تسعى إلى بناء بيوت جديدة بشرعيات حكم جديدة، مبنية على المؤسسات والدستور والانتخابات الدورية... وكل هذه الأدوات جزء من النظام الديمقراطي، لكنها ليست لوحدها تستطيع بناء الديمقراطية، فهذه الأخيرة تحتاج إلى هواء وماء وتربة محددة حتى يتجذر كيانها، أي إلى بيئة ثقافية وسياسية واقتصادية، لكن البداية لابد وأن تمر عبر تفكيك السلطوية التي تكبل المجتمعات عن الحركة. 

رابعا، هل البلاد العربية مقبلة على تأسيس أنظمة «ثيوقراطية» جديدة؟ هذا احتمال بعيد جدا، لأن العصر عصر الدولة المدنية، ومسار «العلمنة»، بالمفهوم الإجرائي وليس الإيديولوجي، قطع أشواطا كبيرة، وثقافة المجتمعات لم تعد حبيسة دواليب السلطة، أية سلطة، بل صارت منفتحة على قيم العصر وثقافة القرية الكونية التي تعيش فيها. الذي سيقع أن القيم الإسلامية سيصير لها حضور كبير في حياة الأفراد والجماعات، تماما كما يقع اليوم في أمريكا ودول أوربية كثيرة تشهد عودة الاتجاه المسيحي المحافظ بفعل متغيرات كثيرة، ديموغرافية وسياسية وثقافية... 

الإسلاميون ربحوا جولة ولم يربحوا المعركة، والناس الذين اختاروهم إذا رأوا أن أجوبتهم عن مشاكل البطالة والفقر والسكن والتعليم والصحة والحرية... أجوبة مغلوطة سيعاقبونهم عند أول انتخابات تنظم، وإذا زوروا الانتخابات، كما فعل أسلافهم، سيثور عليهم الناس في الشوارع والساحات... ثم لا ننس أن وسطهم جيلا شابا صاعدا هم أبناء هذا الربيع العربي، ولا بد أن يؤثر فيهم كما في غيرهم. المسلسل مازال مستمرا. لنتابع. 

منبر

توفيق بوعشرين
صحافي
توفيق بوعشرين