يشتهر ماراثون الرمال الذي ينظم كل سنة في المغرب، بمحاولة المشاركين التحمل والاعتماد على ذاتهم في قطع 250 كيلومتر في الصحراء، مقسمة على ستة مراحل.
وفي نسخة سنة 1994، صمم العداء الإيطالي ماورو بروسبيري المولود في روما سنة 1955، على المشاركة وتحقيق نتيجة إيجابية في الماراثون الفريد من نوعه، عكس صديقه جيوفاني مانزو الذي كان يريد اكتشاف قدرته على التحمل فقط، غير أن هذه المشاركة ستتحول إلى كابوس يشبه في تفاصيله أفلام هوليود، نتيجة عاصفة رملية مفاجئة.
وكان بروسبيري قد قرر التوجه إلى المغرب وخوض هذه المغامرة دون استشارة زوجته، التي تركها رفقة أطفاله الثلاثة.
وفي الوقت الحالي يعرف الماراثون مشاركة 1300 متسابق، بينما اقتصر في نسخة 1994 على 134 مشاركا فقط.
وانطلق بروسبيري رفقة صديقه مانزو جنبا إلى جنب، في السباق لكن شاءت الأقدار أن ينفصلا وأن يصل هذا الأخير إلى خط النهاية دون صديقه.
ففي اليوم الرابع من السباق، انطلق مانزو وبروسبيري رفقة باقي العدائين كما هو الحال في بداية كل مرحلة، غير أن هذه المرحلة تعتبر الأصعب حيث تمتد على 85 كلم، وتزامنت مع هبوب رياح قوية.
وفي ذلك اليوم بدأت درجة الحرارة في الارتفاع، وعند الظهيرة كانت تقترب من 45 درجة. وبعد الساعة الواحدة بعد الظهر بقليل، توقف بروسبيري عند الحاجز الثالث، وحصل على قنينتي ماء، وعالج مانزو جرحا في قدمه، وواصلا طريقهما ولكن عاصفة رملية تسببت في انعدام الرؤية لمدة ست ساعات، وعندما انتهت حل الظلام، وكان مانزو قد لجأ إلى نقطة التفتيش الرابعة، لكن لم ترد أنباء من ماورو.
ونام هذا الأخير، وعندما استيقظ، صعد إلى قمة كثبان رملية وجدها بجانبه، على أمل رؤية بعض المشاركين أو المنظمين، لكن كانت مفاجأته كبيرة عندما اكتشف أن مشهد الكثبان الرملية تغير بفعل الرياح، وقرر التحرك للوصول إلى نقطة النهاية، وبعدما نفذ منه الماء قام بالتبول في القنينة لأن الوضع لم يتحسن وكان يدرك أنه ضائع.
وأثناء سيره في الصحراء سمع ضجيج طائرة مروحية، وأخرج شعلة صغيرة، لكن الطائرة ابتعدت، وفي اليوم الثالث لضياعه عثر على مبني فارغ وسط الصحراء، ولجأ إليه ورفع علم إيطاليا عليه أملا في رؤيته وإنقاذه، وفي المبنى وجد عدة خفافيش وأمسك بعضهم، وشرب دماءهم، وتزامن ذلك مع وصول المتسابقين إلى زاكورة، وهي المرحلة الأخيرة من السباق.
محاولة انتحار
وفي يوم 18 أبريل 1994، نظم روبرتو شقيق ماورو مجموعة إنقاذ مع أصدقاء آخرين وتوجهوا إلى المغرب للبحث عنه.
وبالموازاة مع ذلك كتب ماورو كلمة مساعدة على الرمال، لكن عاصفة رملية محت كل شيء، وبعدها تسلل اليأس إليه، وأخد قطعة فحم وكتب رسالة وداع لزوجته في حائط المبنى، اعتذر فيها عن جرأته وكونه زوجًا وأبًا سيئا.
واتكأ على الحائط، والتقط سكينه وقطع معصمه الأيمن، لكن دماءه لم تسل لأنه كان يعاني من الجفاف.
وبعدما استيقظ من نومه في اليوم الموالي وهو على قيد الحياة، قرر التحرك، وبدأ في المشي، في نفس اليوم الذي غادر فيه جميع العدائين المملكة للعودة إلى بلدانهم.
وبدأ ماورو في صيد الحيوانات، وأمسك فأرا وثعبانا، وكانت وجبته مصحوبة بخنافس يطبخها بالبول. ووجد في مجرى جاف جذورًا توفر له بعض القوت.
ومن حسن حظه قادته الأقدار إلى واحة، بها مياه، وفي صباح اليوم التالي، سار مرة أخرى باحثًا عن دلائل على الحياة. ووجد فضلات ماعز في طريقه وشعر أنه يقترب من مكان مأهول. ومن أعلى تل، ظهرت له فتاة تبلغ من العمر حوالي 8 سنوات ترعى قطيعًا. وبدأ في الجري طلبا للمساعدة، وتوجه رفقتها إلى خيمتها وقدموا له الشاي بالنعناع وحليب الماعز.
وكانت الفتاة وعائلتها من الطوارق، حيث اقتيد العداء الإيطالي إلى مركز أمني وهو معصوب الأعين، واعتقد أنهم سيطلقون النار عليه، خصوصا بعدما علم أن يشكون في أنه يتجسس عليهم لصالح المغرب.
وقرروا بعد ذلك نقله إلى قاعدة عسكرية جزائرية حيث بدأ التحقيق معه. وفي مرحلة ما أثناء الاستجواب، أخبرهم ماورو أنه رجل شرطة في إيطاليا، عندها تفاجأ بضابط يسأله عما إذا كان اسمه هو ماورو بروسبيري، ثم ما لبث الضابط أن أخبره "لقد تلقينا بلاغاً عنك من السلطات المغربية. سنوصلك إلى المستشفى على الفور". وبعد تسعة أيام في الصحراء، بدأت معاناة ماورو تقترب من نهايتها، بعدما فقد 20٪ من وزنه.
ونقل إلى روما وتم استقباله كبطل، وفي سنة 1995، أنتج فيلم وثائقيً عن مغامرته.