عانت الثورة الجزائرية سنوات الخمسينات من انشقاقات حادة بين قادتها، خصوصا بين الموجودين في الخارج والذين يناهضون الاستعمار من داخل البلاد. وأمام هذا الوضع برز نجم عبان رمضان في الساحة، حيث لعب دورا كبيرا في عقد مؤتمر "الصومام" في شهر غشت من سنة 1956.
ولم تقابل قرارات المؤتمر بالرضي من قبل "الوفد الخارجي" الذي كان متواجدا بالقاهرة، ونصت هذه القرارات على "إقرار أولوية الداخل على الخارج والسياسي على العسكري".
وفي عز هذا الخلاف قام الجيش الفرنسي بالاستيلاء على طائرة للخطوط الملكية المغربية كانت تقل على متنها الوفد الخارجي الجزائري (محمد خيضر، وحسين آيت أحمد، وأحمد بن بلة، ومحمد بوضياف) وكانت متوجهة من الرباط إلى تونس.
آنذاك تطور الصراع بين عبان والعسكريين داخل الجزائر، الذين دفعوا إلى انعقاد دورة المجلس الوطني للثورة بالقاهرة في غشت من سنة 1957، وتخلى هذا المؤتمر عن قرارات مؤتمر الصومام، وغلب الخيار العسكري عن الخيار السياسي، ليزيد الصراع بين الجانبين حدة.
اعدام مؤكد وتفاصيل مفقودة
في هذه الفترة كان المغرب حديث عهد بالاستقلال، وكان الملك محمد الخامس يحرص على دعم الثورة الجزائرية، لجلاء الاستعمار عن المنطقة، وكانت المملكة بذلك تشكل حديقة خلفية لقادة الثورة يتحركون فيها بكل حرية، وخصوصا في المناطق الحدودية كوجدة.
ورغم تضارب الروايات حول سبب مغادرة عبان رمضان للجزائر نهاية سنة 1957، إلا أنها تجمع على أنه كان بالمغرب.
وتشير بعض الروايات إلى أن عبان الذي يجمع الكثيرون حول دوره الكبير في إطلاق الثورة الجزائرية، فر إلى المملكة من الاحتلال الفرنسي، فيما تقول أخرى إنه كان في مهمة في المغرب دون تحديد موضوعها، لكن كتاب "كنت في الجزائر" يشير إلى أن عبان تم استدراجه إلى المغرب بحجة مقابلة الملك محمد الخامس الذي كان يجهر بدعوته لثوار الجزائر.
وفي الوقت الذي لا يختلف فيه أغلب المؤرخين الجزائريين على أن عبان رمضان اغتيل في المغرب من قبل زملائه في الثورة، إلا أنهم يختلفون حول طريقة موته.
كما أن رفقاء دربه في الكفاح ضد الاستعمار قدموا روايات متضاربة حول القادة الذين أشرفوا بشكل شخصي على إعدامه بمدينة تطوان المغربية، بعدما أصدر في حقه قادة الثورة حكما بالإعدام، بتهمة التواصل مع الفرنسيين.
وبعد وفاته، حاولت جريدة "المجاهد" التي كانت تعتبر لسان حال الثوة الجزائرية، إخفاء أمر اغتياله في المغرب، ونشرت صورته على صدر صفحتها الأولى وكتبت فوقها عنوانا برازا جاء فيه "عبان رمضان سقط في ساحة الشرف".
وتحدثت عن وقائع نهاية عبان رمضان في إحدى المعارك بعد اصابته بجروح متفاوتة الخطورة نتج عنها نزيف خطير اودى بحياته.
كما حاول مناصرو "أسبقية العمل العسكري" التخلص من رجالات عبان رمضان، ويذكر فرحات عباس رئيس أول حكومة مؤقتة للثورة، أنه تم إلقاء القبض على الحاج علي ونقلته إلى فيلا بالمغرب، حيث تم استنطاقه بطريقة جعلته يفضل الانتحار على مقاومة التعذيب.
وبقي جثمان عبان رمضان عالقا في المغرب لسنوات، قبل أن يتم ترحيله إلى الجزائر، ويشكك الجزائريون في أن القبر الموجود في مربع الشهداء بمقبرة "العالية ضواحي الجزائر العاصمة والذي يوجد على شاهده اسم عبان رمضان، مجرد قبر فارغ، وأن مكان دفنه يبقى مجهولا.
حقيقة ضائعة وحراك يهتف باسم عبان رمضان
ورغم كثرة الكتابات عن فترة سطوع نجم عبان وسط قادة ثورة التحرير الجزائرية، إلا أن حقيقة من يقف وراء مقتله تظل غائبة، ويصطدم المؤرخون بقلة الوثائق الرسمية والمراسلات التي تؤرخ لتلك المرحلة، وكذا بتضارب روايات رفقائه في الكفاح ضد الاستعمار.
وبعد مرور 62 سنة على إعدامه، عاد اسمه إلى الواجهة مع تظاهرات الحراك الشعبي في الجزائر الذي انطلق في 22 فبراير 2020، إذ رفع المئات صوره وهتفوا باسمه. وفي محاولتهم لإرجاع العسكر إلى ثكناتهم وبناء دولة مدنية ألف المتظاهرون شعارا طويلا مطلعه "اسمعوا اسمعوا يا ناس عبان رمضان ترك وصية دولة مدنية ماشي عسكرية"، في إشارة منهم إلى دعوته لإعطاء الأولوية للجانب السياسي على الجانب العسكري.