في يناير 2017، قرر الشاب المغربي ياسين غلام، تحقيق حلمه بتأدية مناسك الحج، لكن لم يتوجه إلى السعودية عبر الطائرة، كما هو شأن الحجاج المغاربة، بل فضل أن يتوجه إلى البقاع المقدسة مشيا على الأقدام، ووصل إلى المدينة المنورة بعد حوالي أربعة أعوام، دون أن يتمكن من بلوغ هدفه بسبب سماح السلطات السعودية لعشرات الأشخاص فقط بأداء فريضة الركن الخامس للإسلام، تجنبا لانتشار فيروس كورونا المستجد.
واختار الرحالة المغربي البالغ من العمر 34 عاما أن يعبر بعض دول إفريقيا جنوب الصحراء قبل الوصول إلى هدفه، وقال في حديثه لموقع يابلادي "أردت اكتشاف هذه القارة التي ننتمي إليها ولكن لا نعلم عنها الكثير" وحول الطريقة التي قرر بها خوض هذه التجربة قال "قررت السفر سيرا على الأقدام من أجل استرجاع واستحضار تاريخ أجدادنا والطريق التي كانوا يسلكونها من أجل أداء مناسك الحج".
"قررت السفر بـ 0 درهم، كان ذلك بمثابة تحد مع والدتي التي قالت لي في يوم من الأيام أن المال هو كل شيء في حياتنا وأنا لم أوافقها الرأي وقالت لي أعطني برهانا وهو ما أفعله اليوم".
ياسين غلام
وبمجرد جمع الأغراض اللازمة بدأت رحلة ياسين من المغرب وصولا إلى موريتانيا ثم السنغال، وقال "عند وصولي إلى دكار، تعرضت لإصابة في ركبتي ووقتها نصحني طبيب بشراء دراجة هوائية من أجل مواصلة رحلتي، وهو ما قمت به".
إثر ذلك توجه إلى غينيا بيساو ثم غينيا كوناكري وصولا إلى ساحل العاج وغانا وتوغو وبنين ونيجيريا والكاميرون والغابون والكونغو وبرازلفيل وأنغولا وناميبيا وزامبيا وموزمبيق وسوزيلاندا وجنوب إفريقيا، قبل أن يصل إلى جزر القمر ومدغشقر وجزر الموريس وبعدها "توجهت إلى الإمارات من أجل تلبية دعوة للمشاركة في مهرجان رحالة الإمارات الذي يجمع الرحالة من جميع بقاع العالم من أجل مشاركة قصصهم ومغامراتهم مع الجمهور" ثم عاد إلى جزر القمر ثم تنزانيا التي حقق بها حلم تسلق قمة جبل كيليمانجارو التي تعتبر أعلى قمة في إفريقيا، وكينيا وإثيوبيا والسودان ومصر التي حضر بها كأس إفريقيا للأمم والأردن، ثم أخيرا السعودية.
وكان ياسين يمكث في كل بلد حسب مدة التأشيرة التي حصل عليها، وهو ما جعله يطلع عن قرب على دول القارة السمراء وقال "تغيرت لدي مجموعة من الأفكار التي كبرت عليها عن أفارقة جنوب الصحراء، إنهم مضيافون ويحبون المغرب شعبا وملكا كانوا ينادونني بابن محمد السادس، كما يعشقون الكرة المغربية منهم من يقول لي ابن الزاكي أو بودربالة".
وعن الصعوبات التي واجهته في رحلته قال "أصبت بالملاريا في بنين ورقدت في المستشفى لمدة أسبوع وعند خروجي من المستشفى قررت الذهاب إلى نيجيريا، كان وقتها شهر رمضان لعام 2017 وأثناء وصولي تعرضت لحادث سير ودخلت هناك أيضا للمستشفى لأنني تعرضت لجروح لكنها بسيطة".
وطوال رحلته كان ياسين الذي كان يشتغل بشركة الطرامواي بالدار البيضاء، يطرق الأبواب بحثا عن عمل خلال الفترة التي سيقضيها في كل بلد "اشتغلت معلم لغة عربية ورياضيات وميكانيكي وفي الفنادق، مقابل ثمن زهيد لكنه كان كاف بالنسبة لي".
وبعد أربعة أعوام كانت مليئة بالمغامرات والأفراح والأحزان، وصل ياسين أخير إلى السعودية في 11 دجنبر 2019، وقال "وصلت إلى مدينة حقل وواصلت طريقي إلى المدينة المنورة واستغرق مني الأمر شهرين زرت قبر الرسول علية الصلاة والسلام، كما تلقيت دعوة من نائب أمير المدينة المنورة، سعود بن خالد الفيصل، وأهديته دراجتي الهوائية، كعرفان بكرمه، لأنه تكلف بمصاريف المستشفى التي دخلتها عند وصولي بسبب وعكة صحية".
بعدها انتقل إلى مكة ثم عاد إلى المدينة المنورة مشيا على الأقدام وقال "سلكت طريق الهجرة التي سلكها الرسول عليه الصلاة والسلام والصحابة، وهو الأمر الذي استغرق مني 21 يوما عكس ما كان متوقعا، وذلك لكرم الشعب السعودي الذي كان يرحب بي في كل محطة".
لكن لم يتمكن ياسين من تأدية مناسك الحج، نظرا للإجراءات الاستثنائية التي اتخذتها السعودية بسبب فيروس كورونا المستجد، واقتصارها على عدد محدود من الحجاج. مع ذلك هذا الأمر لم يمنع الرحالة المغربي من التشبث بحلمه.
"حصلت على هدية من طرف بعض المواطنين السعوديين من أجل تأدية مناسك الحج السنة المقبلة أنا ووالداي وسأظل هنا إلى غاية السنة المقبلة"
ورغم توصله بعروض كثيرة من طرف عدة أشخاص علموا بقصته التي ذاع صيتها بمواقع التواصل الاجتماعي في السعودية، تتعلق بالإقامة أو وسائل النقل وغيرها، إلا أنه قرر "عدم المكوث في الفندق واكتفيت بقبول عرض مقطورة سفر، هي التي أعيش بها حاليا بالإضافة إلى دراجة هوائية اقترضتها من أحد الأشخاص إلى أن أشتري واحدة" ويتواجد ياسين حاليا بمدينة أبها بمنتزه السودة.
وأكد الرحالة المغربي أن هذه المغامرة مكنته من تحسين لغته الإنجليزية وأيضا تعلم مبادئ مجموعة من اللغات من بينها لينغالا والسواحلية و"الأهم من ذلك تعلمت الإنسانية من الدول الإفريقية وأيضا التشبث بأحلامي ووضع أهداف لحياتنا وعدم العيش بعشوائية وعدم الاكتراث لأحاديث الناس".
ويطمح ياسين عند عودته إلى المغرب لإلقاء محاضرات حول تجربته، كما أنه يستعد لتأليف كتاب يتحدث فيه عن المغامرة التي يخوضها بعنوان "مغربي على الطريق".