قرر العثمانيون بعد سيطرتهم على القسطنطينية سنة 1453 تحويل آيا صوفيا إلى مسجد، وفي سنة 1934 أمر مؤسس الدولة التركية الحديثة، مصطفى كمال أتاتورك بتحويلها إلى متحف. وفي 10 يوليوز 2020، ألغت محكمة تركية عليا مرسوم عام 1934، مما مهد الطريق لتحويل البناية التي صنفتها اليونيسكو سنة 1985 كأحد مواقع التراث الإنساني، إلى مسجد.
ابن بطوطة في اسطنبول
وتحظى أيا صوفيا باهتمام كبير منذ القدم، نظرا لرمزيتها بالنسبة لسكان القسطنطينية التي تعرف اليوم بإسطنبول (عاصمة الإمبراطورية الرومانية خلال الفترة من 335 إلى 395 وعاصمة الدولة البيزنطية من 395 إلى 1453).
وقبل الفتح العثماني كانت آيا صوفيا من بين أجمل الكنائس في العالم وأفخمها، وكانت تأسر بجمالها الزائرين، ومن بين هؤلاء الرحالة المغربي الشهير محمد بن عبد الله بن محمد اللواتي الطنجي المعروف بابن بطوطة، الذي زارها سنة 1332، والذي خصها بالذكر في كتابه " تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار".
وبدت انطباعات ابن بطوطة ووصفه غاية في الدقة، كما كان شأن الحواضر والأماكن التي زارها، حيث عرف عنه براعته في رصد المظاهر الدينية والاجتماعية، وكشف الخلفيات التاريخية للأحداث.
وتحدث ابن بطوطة عن لقائه في اليوم الرابع لوصوله إلى القسطنطينية بملك البلاد "تكفور" الذي سأله عن الأماكن التي زارها وخاصة تلك المقدسة عند المسيحيين.
ابن بطوطة والكنيسة العظمى
ثم انتقل بعد ذلك إلى وصف المدينة وقسمها إلى قسمين وقال "وبينهما نهر عظيم المد والجزر على شكل وادي سلا من بلاد المغرب". وتابع أن قسما يسمى "الغلطة" والقسم الثاني إسطنبول، الذي توجد به "الكنيسة العظمى" التي سماها بالإسم "آيا صوفيا" وقال إن "آصف بن برخيا وهو ابن خالة سليمان عليه السلام" هو من بناها.
واستأثرت الكنيسة باهتمام واضح من طرف ابن بطوطة، رغم أنه حُظر عليه التجوال فيها لأن ذلك كان مقصورا على المسيحيين، غير أنه تجول في فنائها الخارجي، ووصفها بأنها "أعظم كنائس الروم" وعليها سور يحيط با و"كأنها مدينة، وأبوابها ثلاثة عشر بابا".
وقال إن على أبواب الكنيسة خدامها "لا يدعون أحد يدخلها حتى يسجد للصليب الأعظم عندهم الذي يزعمون أنه بقية من الخشبة التي صلب عليها شبيه عيسى عليه السلام".
وأضاف أنه ذكر له "أن عدد من بهذه الكنيسة من الرهبان والقسيسين ينتهي إلى آلاف، وأن بعضهم من ذرية الحواريين، وأن بداخلها كنيسة مختصة بالنساء فيها من الأبكار المنقطعات للعبادة أزيد من ألف، وأما القواعد من النساء فأكثر من ذلك كله".
وأوضح أن من عادة الملك وأرباب دولته وسائر الناس أن "يأتوا كل يوم صباحا إلى زيارة هذه الكنيسة، ويأتي إليها البابا مرة في السنة".
ولم ينظر ابن بطوطة لشعائر المسيحيين بازدراء، بل ذكرها بتقدير واضح، وأشاد بخشوع ورهبة زوار الكنيسة.
وتحدث عن دير "خارج الكنيسة العظمى عن يمين الداخل إليها، وهما في داخل بستان يشقهما نهر ماء، أحدهما للرجال والآخر للنساء، وفي كل واحد منهما كنيسة، وتدور بهما البيوت للمتعبدين والمتعبدات، وقد حبس على كل واحد منهما أحباس لكسوة المتعبدين ونفقتهم بناهما أحد الملوك".
وغادر ابن بطوطة المدينة بعد أن أمضى فيها شهرا وستة أيام، وحظي بمعاملة جيدة وكرم كبير من ملك البلاد.