وإذا كانت الجزائر أول بلدان المغرب العربي نكبة بالاستعمار الفرنسي، فقد وجدت في المغرب المعين في تصليب مواجهتها وتصديها للاحتلال الأجنبي وتقوية صمودها في الكفاح المسلح، وكان دور رجالات المقاومة وجيش التحرير دورا ايجابيا في دعم حركة التحرير الجزائرية، ولمع مقاومون مغاربة في أداء أعمال جليلة نصرة لإخوانهم المجاهدين الجزائريين.
إن الدعم المغربي للقضية الجزائرية وتشبته بمبادئه الثابتة بخصوص استقلال الجزائر من جهة، وحرصا منه على الحفاظ على علاقات طيبة اتجاه الحكومة الفرنسية، وتجنب الدخول معها في مواجهة مسلحة بخصوص المشكل الجزائري، دفعه إلى اقتراح حلول سلمية على الطرفين المعنيين، عن طريق المساعي الحميدة أو الوساطة، وقد شاركه في جانب مهم من هذه المبادرة الجانب التونسي.
وتجدر الإشارة كما نبه إلى ذلك الباحث المغربي زكي مبارك في كتابه "أصول الأزمة في العلاقات المغربية الجزائرية" إلى أن هذه الوساطة كانت قد قوبلت على الفور من طرف جبهة التحرير الجزائرية، غير أنها رفضت من قبل الحكومة الفرنسية في المرة الأولى، خشية منها بأن يؤدي تدخل المغرب وتونس في عملية المفاوضات بين البلدين، إلى تدعيم الجانب الجزائري، وستصبح الأقطار الثلاثة تكون جبهة موحدة ضد فرنسا.
وقد أصبح المغرب منذ انضمامه إلى هيئة الأمم المتحدة، يتزعم المجموعة التي تدافع عن حق الجزائر في الاستقلال، فهو الذي كان وراء الاقتراح الذي تقدم به الفريق الإفريقي الأسيوي، إلى اللجنة السياسية التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي يدعو حلفاء فرنسا بما فيهم الولايات المتحدة الأمريكية، بالضغط على الحكومة الفرنسية، بهدف تحقيق الإرادة المشروعة للشعب الجزائري في الاستقلال.
كما كان المغرب من جهة أخرى، يعتبر عضوا نشيطا داخل اللجنة المعينة من طرف هذه المجموعة، لتحضير الملف الجزائري، حيث كلف السفير المغربي من طرف هذه اللجنة للاتصال بوفود دول أمريكا اللاتينية وإسبانيا وباقي الدول الأوربية، وإلى جانب هذا النشاط قام ممثل المغرب بالأمم المتحدة في خطاب له بتاريخ 4 فبراير1957 بتوضيح مواقف المغرب الراسخة من مسألة استقلال الجزائر، "حيث أشار إلى أن المغرب يعتبر هذا المشكل مرتبطا في كله وجزئه بوجوده الذاتي، ومما جاء في خطاب السفير المغربي قوله:"... إن مسألة عودة الامن والسلام والاستقرار للجزائر، سوف تظل الشغل الشاغل والهم الاكبر والاوحد للمغرب، لان استقرارها وأمنها مرغوبا فيهما بالشمال الافريقي، وإن إقرار المشكل الجزائري كمشكل راق من قبل الرأي العام الدولي يعتبر في الحقيقة مساهمة في عمل إنساني جدير بكامل الاهتمام..."
لكن وبعد تصريحات ديغول في دجنبر 1960، عندما تخلى عن فكرة تحقيق الجزائر الجزائرية بدون جبهة، والتي خلفت ردود فعل إيجابية على المستوى الدولي، مما جعل مؤتمر الدار البيضاء الذي ضم ما كان يسمى مجموعة الدار البيضاء،(المغرب، مصر، غانا، غينيا، ومالي) في يناير 1961 يؤكد على منوال الدورة الخامسة عشرة للجمعية العامة للأمم المتحدة على حق الشعب الجزائري في الاستقلال على قاعدة الوحدة الوطنية والوحدة الترابية، وتأكيده على تقديم الدعم للشعب الجزائري، وأن كل مساعدة تقدم لفرنسا في حربها بالجزائر تشكل عملا عدائيا، فانزاحت بذلك إحدى الإكراهات الكبرى التي كانت تقيد الحكومة المغربية فترة طويلة، ومما ساعد المغرب على حرية التحرك أكثر لإنهاء المشكلة، واختتم ديغول خطابه التاريخي الذي وجهه إلى الشعب الفرنسي عبر الإذاعة الوطنية بقوله "إن الوقت قد حان لكي يقرر الجزائريون مصيرهم بأنفسهم على أساس المساواة ويختاروا بين الانفصال عن فرنسا أو إقامة نظام فيدرالي معها".