الاحتجاجات، التي عمت العالم، ضد العنصرية وعنف الشرطة، بعد مقتل الأمريكي ذي الأصل الأفريقي جورج فلويد تحت ركبة شرطي أبيض في مينيابوليس بولاية مينيسوتا بشمال الولايات المتحدة؛ جعلت الكثير من بلدان العالم تعيد النظر في قضية العنصرية داخل حدودها، بما في ذلك دول إفريقيا.
في المملكة المغربية، بقيت الأمور هادئة نسبيا بهذا الخصوص، فكل من يتحدث عن العنصرية هناك غالبا ما يواجه من قبل الآخرين باستغراب وربما بغضب.بيد أن السكان أصحاب البشرة الداكنة (السود) في المغرب موصومون، وهذا ليس نابعا فقط من تأثير القوة الاستعمارية السابقة، فرنسا. فقبل الأوروبيين، كان الفاتحون العرب، وفقا للمؤرخين، هم أول من وضع حجر الأساس للعنصرية على الأرجح، ومع ذلك لا يعترف الكثيرون بوجود مشكلة في هذا الاتجاه.
الڨناوة والحراطين
من بين المجموعات الإثنية لسكان المغرب يوجد الڨناوة والحراطين، وكلاهما من أصحاب البشرة الداكنة، ويعيش أفرادهما تاريخيا بشكل رئيسي في جنوب البلاد.
وموسيقى الڨناوة (تكتب أيضا الڭناوة والغّْناوة) تثير النشوة حتى يومنا هذا في حفلات الزفاف المغربية. وبفضل أغاني الڨناوة، التي لها مفعول خاص شبيه بالغيبوبة، اشتهرت موسيقى المغرب في جميع أنحاء العالم. ومع ذلك، فإن سكان المغرب السود غير مرئيين في الغالب، حسبما يقول الفنان التشكيلي امبارك بوحشيشي، الذي ينحدر من بلدة أقا، بجهة سوس ماسة في جنوب المملكة على مقربة من الحدود مع الجزائر.
لقد كتب بوحشيشي مع فنانين آخرين كتابا حول معنى أن تتربى وتكبر كمغربي أسود وأن يُنظر إليك على أنك غريب في بلدك. ويقول بوحشيشي "إذا سألت أحدهم اليوم كيف تصف الإنسان المغربي، فلن يصفه أبدا بالأسود، وأنا أدعي أننا مصابون بالفصام لأننا لا نعترف بالأفريقي الذي بداخلنا".
ويتابع الفنان التشكيلي: لقد تم جعل المغرب الأسود غير مرئي، فالعنصرية وتاريخ العبودية السابق في المغرب من المحرمات. ومن ليس مرئيا لا يمكن الكلام عنه. ويتحدث بوحشيشي عن تمييز عنصري، فقد أجرى أبحاثا في جميع أنحاء البلاد، كما يقول عثر من خلالها على مقابر منفصلة للمغاربة السود و البيض في الجنوب.
لم يستطع بوحشيشي تصديق ما رآه ويقول "شمال المغرب أبيض بالنسبة لنا. لكن هناك مجتمعات قروية سوداء بالقرب من بلدة شفشاون الجبلية. وقد أصبحت غير مرئية. بحثت عنهم فوجدتهم غير مدونين حتى في سجلات الانتخابات، كما لا أستطيع العثور على أسماء قراهم على الخرائط".
يكاد المغاربة السود لا يظهرون في الخطاب العام، سواء في السياسة أو في المناصب القيادية أو حتى في وسائل الإعلام. ويقول الخبراء إن الكثيرين من سود المغرب موصومون مثل من يسمون بالحراطين، كما يوضح عالم الاجتماع المغربي مهدي عليوة من التحالف المناهض للعنصرية "GADEM".
ويوضح عليوة أن كلمة الحراطين هي تحوير عربي لكلمة حرطاني البربرية، والتي بدورها تعني ببساطة "أسود". وتم استخدامها لوصف الأشخاص، الذين من المفترض أنهم أحفاد العبيد المحررين. ولكن بقيت الفكرة أن هؤلاء الناس "قدموا من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وإذا كانوا عبيدا في السابق، فيمكن معاملتهم كعبيد مرة أخرى"، يضيف عليوة.
ميراث مولاي إسماعيل حتى اليوم
ويشير عليوة إلى فترة حكم السلطان مولاي إسماعيل (1672- 1727) التي أثرت في شخصية المغرب، والتي يقال عنها إن مولاي إسماعيل كوّن جيشا من السود واختطف الآلاف من المستعبدين من غرب أفريقيا والسكان المحليين لتأمين سلطته.
ويقول المؤرخ المغربي شوقي الهامل إن تلك الفترة لا يزال لها تأثير على عقول الناس حتى اليوم.يعمل الهامل أستاذا بجامعة ولاية أريزونا في الولايات المتحدة، ويوضح أن العنصرية في المغرب معقدة ومرتبطة بقوة بمن كان يُعتبر عربيا أو غير عربي، من ناحية الأب.
"كان السلطان مولاي إسماعيل أول حاكم مستقل يحدد سياسة وطنية، وحدة مرتبطة بهوية عربية. والعنصرية في المغرب هي ويا للغرابة اتجاه مغاير للعنصرية في الغرب. ففي الغرب كان الرجل يعد أسود إذا كان جزء من "دمه" أسود، إذا جاز التعبير. لكن الأمر مغاير في النموذج المغربي، فإذا كان جزء من الدم "أبيض"، إذا جاز القول، فهذا يجعل الشخص عربيا وبالتالي مميزا"، يوضح الهامل ويضيف أن لون البشرة الفاتح كان يعني أصلا عربيا ويرتبط بالمطالبة بالسلطة، أي هؤلاء يحكمون والسود يخدمون. ولا يزال هذا الفهم متأصلاً في المجتمع المغربي حتى اليوم، وهناك عمال البساتين السود، وعمال النظافة والزراعة السود، الذين غالبا ما يعيشون في المناطق المهمشة، يوضح الهامل.
ويقول عالم الاجتماع مهدي عليوة إن النخبة المغربية المفترضة "بيضاء". وبسبب عمله تحدث إلى العديد من المتضررين ويقول إنه غالبا ما تكون هناك توترات في الزيجات المختلطة، حيث يكون جزء من الأسرة ضد الزواج لأن الشريك بشرته داكنة. ويمكن أن يحدث أيضا أن الآباء الذين يلعب أطفالهم مع طفل ذي بشرة داكنة يقولون لهم: احترسوا، سيؤذونك لأنهم متوحشون، يضيف عليوة.
هذا التوجه العنصري من الممكن رؤيته حتى اليوم في اللغة المستخدمة. ففي الخطاب المغربي، لا يوجد مصطلح صحيح سياسيا للسود، ومعظم المصطلحات عنصرية. ويقدر أن لون بشرة 10 في المائة من المجتمع المغربي سوداء. والوضع تغير في السنوات الأخيرة مع قدوم مهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
ويتحدث العديد من المهاجرين عن العنصرية المتزايدة، على سبيل المثال يتم النداء عليهم بكلمة "لعبيد"، أي العبد، وهي تستخدم أيضا ككلمة سبٍّ بين الشباب. "ليزأفريكانز" أو "الأفارقة"، هذا ما يقولونه في المغرب عندما يتحدثون عن المهاجرين. رغم ذلك هناك كثيرون لا يريدون الحديث عن مشكلة عنصرية حقيقية في المغرب.
ينشر بشراكة مع DW