أطلق المهاجر المغربي محمد العيساوي المقيم في ولاية نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية، صرخته الأولى بمدنية سلا في ثمانينات القرن الماضي، وتلقى تعليمه الابتدائي والثانوي بها، وفي سنة 2005 حصل على شهادة الإجازة في الاقتصاد من جامعة محمد الخامس، وقدم طلبا لمتابعة دراسته في الولايات المتحدة الأمريكية.
وقبل حصوله على الإجازة كان محمد يشتغل متصرفا مساعدا في عمالة سلا، وقدم استقالته في سنة 2006 ليلتحق بجامعة نيويورك بعد الموافقة على طلبه ليتابع دراسته العليا بها، وبعد وصوله إلى بلاد العم سام لم يواجه مشاكل كبيرة في الاندماج، وقال في تصريح ليابلادي "نيويورك ولاية فريدة، تجمع مهاجرين من جميع الدول لذلك كان الاندماج سهلا، هنا لا تحس بأنك غريب، كما أن هناك جالية عربية ومغربية وكبيرة".
كما تأقلم محمد مع ظروف الحياة الجديدة بسرعة، أيضا بسبب ربطه علاقة مع شابة كانت تقيم في نيويورك قبل قدومه إلى الولايات المتحدة، وهي الفتاة التي اختارها رفيقة الدرب والحياة، ولهما الآن ابنة في السابعة من عمرها.
وبحسبه فإن "الاندماج مرتبط بشخصية الانسان، فإذا كنت انعزاليا ستواجه مشاكل عدة، وإن كنت اجتماعيا فستشكل صداقات بسرعة، وتخرج من عالم الوحدة".
وبعد وقت قصير من وصوله إلى الولايات المتحدة كون محمد العيساوي رفقة مجموعة من الطلبة المغاربة مجموعة للتعارف ولمساعدة بعضهم البعض، وقال "المجموعة كانت وسيلة لكي نلتقي...، عائلاتنا في المغرب والمجموعة كانت تبعد عنا الشعور بالغربة. بفضلها كنا نتشارك المشاكل والحلول".
ورغم مغادرتهم أسوار الجامعة، إلا أن هؤلاء الطلبة حافظوا على علاقاتهم، وتوسعت المجموعة لتشمل المغاربة المقيمين في الولايات المتحدة، وبدأوا في تنظيم أنشطة لها علاقة بالثقافة المغربية، بما فيها الثقافة اليهودية.
بعد ذلك أسس محمد إلى جانب مغاربة آخرين جمعية، نصف مسيريها من المغاربة المسلمين، والنصف الآخر من اليهود الذين تعود أصولهم إلى المغرب، وكما هو حال المجموعة الأولى بدأت هذه الجمعية في السهر على تنظيم أنشطة للتعريف بالتراث اليهودي المغربي، كما ينظم القائمون عليها احتفالات بالأعياد التي يحييها اليهود المغاربة كميمونة.
وأوضح محمد أن اهتمامه بالثقافة اليهودية يعود إلى فترة طفولته بسلا، حيث أكد أنه نشأ وترعرع في حي كان يوجد بجانب مقبرة يهودية وقال "كان يأتي اليهود لزيارتها، وكنت أتساءل لماذا رحلوا، ولماذا لم يعودوا يسكنون بجوارنا".
وأضاف أنه أثناء بحثه عن العمل بعد رحيله إلى الولايات المتحدة "أجريت مقابلة توظيف مع سيدة، وكنت أواجه صعوبة في اللغة، وبعد نهاية المقابلة أصبت بخيبة أمل وكنت أعتقد أنني لن أقبل. لكن قدمت إلي تلك السيدة وسألتني عن وطني، وقالت لي إنها من اليهود المغاربة وتنحدر من الصويرة، وطلبت مني الاستعداد لبدء العمل، وكانت كثيرة الاهتمام بي".
وقال محمد الذي يشتغل في منظمة غير حكومية بولاية نيويورك، إن الجمعية التي ينشط بها، قامت بتوقيع شراكة مع منظمة كبيرة لليهود السفارديم في الولايات المتحدة، وسمحت هذه الشراكة للجمعية بتنظيم عدد من الأنشطة التي تهمتم جلها بالتراث المغربي بما فيه التراث اليهودي المغربي، ونقل تاريخ العيش المشترك في المملكة للأجيال الجديدة.
وتابع أن المستشار الملكي أندري أزولاي تناهى إلى مسمعه "الأنشطة التي ننظمها، وأبدى رغبته في الحضور ووجهنا له الدعوة سنة 2017، وكان مسرورا برؤية مغاربة من المسلمين واليهود تحت سقف واحد، كما كان عليه الأمر قديما في المملكة، حيث كان يعيش الجميع في ظل تعايش ووئام امتد على قرون طويلة، وأمضى معنا ثلاث ساعات".
وبذلك، ربط محمد العيساوي عدة علاقات مع مجموعة من اليهود الذين تعود أصولهم إلى المغرب ، وقال "الجيل الثاني والثالث من اليهود الذين تعود أصولهم إلى المغرب، كلهم لهم ارتباط بوطن آبائهم وأجدادهم".
وإضافة إلى التعريف بالثقافة المغربية في بلاد العم سام، تسهر الجمعية على مساعدة بعض سكان القرى النائية في جبال الأطلس بالمغرب، وقال إن هذه المبادرات بدأت سنة 2013، "حيث قمنا بجمع ملابس بغية إرسالها إلى الأطلس المتوسط، كنا مجموعة من الشباب، واكترينا حافلة صغيرة لكي نجمع الملابس. في اليوم الأول امتلأت الحافلة، وكان يلزمنا كراء مخزن لوضع الملابس فيه، وأرشدنا أحد الأشخاص إلى شخص يملك مخزن يكتريه للراغبين في ذلك".
"بالفعل توجهنا إليه، وأخبرناه بمبادرتنا، وبأننا نريد كراء المخزن، فقال لنا إن كنتم تريدون مساعدة سكان المغرب فلا أريد منكم المال، وأخبرته أننا نملك المال لكي نؤدي ثمن الكراء، آنذاك وقف ووضع يده على صدره وقالي لي بنبرة غاضبة: أنا يهودي مغربي والمغرب بلادي ولن أقبض منكم المال".
وخلال الأزمة الصحية الحالية، يحاول محمد وأعضاء الجمعية مساعدة المغاربة العالقين في الولايات المتحدة الأمريكية بعد إغلاق المملكة لحودودها، من خلال توفير المأوى والطعام لهم.
وقال إنه كان ينوي التوجه إلى المغرب خلال شهر فبراير "وبعد ذلك أجلت السفر إلى مارس من أجل المشاركة في مؤتمر من تنظيم جمعية ميمونة والفدرالية الامريكية لليهودالسيفارديم في المملكة، كنت سألقي مداخلة في المؤتمر الذي كان يتمحور حول "اليهود في إفريقا"، حول تجربتي في العمل الجمعوي والأنشطة التي ننظمها، لكن مع انتشار فيروس كورونا تم إلغاء المؤتمر".
وبذلك يكون محمد العيساوي قد أخذ على عاتقه مهمة نفض الغبار عن صفحات لمراحل هامه من تاريخ المملكة لم تطوى لحد الآن، فقد كان اليهود بالمغرب إلى حدود الخمسينيات يعدون بعشرات الآلاف...، صحيح أن سوادهم الأعظم هاجر إلى دول شتى، لكن منهم من ظل متشبثا بالعيش في وطنه ووطن أجداده.