يرتبط الطوارق الذين يقيمون في شمال مالي وشمال النيجر بالمغرب منذ مئات السنين، وكانت بداية العلاقة التي لازلت مستمرة إلى الآن خلال عهد المرابطين، وزادت قوة أيام السلطان السعدي أحمد المنصور الذهبي الذي تمكن سنة 1591 للميلاد من بسط سيطرته على المنطقة وعاصمتها المعروفة تمبكتو.
وفي نهاية القرن الثامن عشر، بدأت أوروبا بالتطلع للمنطقة التي كانت غنية بالذهب، وبدأت تسير رحلات استكشاف سرية، أشهرها التي قام بها الفرنسي رينية كاييه 1818 الذي استقبل في فرنسا استقبالا رسميا بعد رحلته تلك. لكن فرنسا وغيرها أجلوا أحلام غزو تمبكتو إلى عام 1911، بعد أن ضعف النفوذ المغربي المهيمن حينها، وبقيت فرنسا تستعمر المنطقة إلى حدود سنة 1960.
وبعد جلاء فرنسا تم إلحاق منطقة تمبكتو بمالي، غير أن محمد علي الأنصاري الذي كان يعتبر من بين أبرز قادة المنطقة، كان يرى استحالة إلحاق الطوارق بمالي، بحسب ما يحكي كتاب "الرجال الزرق..الطوارق: الأسطورة والواقع"، لصاحبه "عمر الأنصاري.
واعتبر الأمير محمد علي الحكومة المالية تركة فرنسية "تسعى إلى تغريب المنطقة وسكانها، وقطع صلاتهم بموروثهم الثقافي العربي، حيث كان يعتبر منطقة الطوارق وسكانها من العرب والبربر، امتدادا طبيعيا لمنطقة المغرب العربي".
ويشير ذات المصدر إلى أنه انطلاقا من هذا التصور جعل الأمير محمد علي مسألة "مغربية صحراء تمبكتو، أمرا محسوما عنده، خاصة وأن روابط البيعة بين سكان المنطقة وملوك المغرب وسلاطينه، ظلت قائمة طوال العهود الماضية لتلك المنطقة حتى دخول الاستعمار".
ويشير ذات الكتاب إلى أن محمد علي كان "يعتبر نفسه مغربيا"، كون "منطقة الصحراء بما فيها تمبكتو، كانت حتى وقت قريب تابعة لسلطان المغرب، وكان يحكمها مغربي يلقب باشا حتى دخول الاستعمار وتسلم مفاتيح تمبكتو من آخر عامل مغربي هو الجنرال أحمد الرامي".
وفي سنة 1961 وجه محمد علي بصفته "الحاكم العام على قبائل الطوارق في بلاد تمبكت" رسالة إلى الملك الحسن الثاني، أخبره فيها بأنه سبق له أن توجه إلى باريس بدعوة من الرئيس الفرنسي سنة 1931 لحضور إحدى الحفلات، واجتمع هناك بالملك الراحل محمد الخامس وبايعه.
وتابع أنه في سنة 1946 حاولت فرنسا إغواءه بمنحه حكم دولة تسمى "صحراء فرنسية في إفريقيا الغربية" وأوضح أنه رفض قبول العرض وخاطبهم قائلا "إن الصحراء صحراء المغرب، فإن كانت نية فرنسا التخلي عن المستعمرات الغربية فخلوا صحراء المغرب للمغرب".
وأوضح للملك الحسن الثاني أنه بمجرد علمه بعودة محمد الخامس من المنفى، حتى "رميت الجنسية الفرنسية، فأخذت جنسية المغرب في السفارة المغربية بالمملكة العربية السعودية في أول شهر باشرت فيه السفارة العمل".
وأكد في رسالته أن محمد الخامس سبق له أن خاطبه بالقول إنه لن يتخلى عن بلاد تمبكتو، وجاء في رسالته غير أنه بعد ذلك "كونت فرنسا اتحاد ما سمته باتحاد مالي (...) لبقاء مصلحتها دائما في بلادنا (...) ورفضت أنا كل رغبات الاستعمار التي حاولت أن تفرقنا مع المغرب".
وقال إنه في سنة 1958 توجه إلى السعودية وجمع مساعدات مالية، وعاد إلى المغرب من أجل مقابلة محمد الخامس، ليطلب منه إعانته "على الجهاد" ليضم بلاده إلى المغرب، غير أن رئيس الحكومة عبد الله إبراهيم منعه من ملاقاة الملك، وعاد إلى السعودية من أجل إعادة المساعدات المالية.
ونتيجة لنشاطه السياسي، اعتقل محمد علي في مالي سنة 1963، وكانت سلطات البلاد تخطط لإعدامه لولا تدخل الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، وخرج من السجن سنة 1968، وانتهى به الأمر بالعودة إلى المغرب والإقامة فيه إلى أن وافته المنية سنة 1994.
ورغم وفاة محمد علي الأنصاري إلا أن الصلات لازالت قائمة بين الطوارق والمغرب رغم أنه لم تعد بتلك القوة التي كانت عليها في السابق، فخلال شهر يناير من سنة 2014 استقبل الملك محمد السادس بمدينة مراكش بلال أغ الشريف الأمين العام للحركة الوطنية لتحرير أزواد، التي تنشط في شمال مالي والتي كانت قد أعلنت انفصال شمال مالي في أبريل من سنة 2012.
وخلال اللقاء طلب العاهل المغربي "من وفد الحركة الوطنية لتحرير ازواد ان تبقى منفتحة على الحوار السياسي"، وأكدت الحركة آنذاك "استعدادها وتمسكها بحل سياسي دائم للنزاع" مع الحكومة المالية.
وجاء هذا اللقاء آنذاك، بعد أسابيع فقط من رفض الحركة المشاركة في لقاء "استكشافي" بين مجموعات مسلحة عدة في شمال مالي نظمته الحكومة الجزائرية.