أعلنت الوزارة المنتدبة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج يوم الجمعة الماضي أنها ستتكفل بنفقات دفن جثامين المغاربة المتوفين المعوزين والذين لا يتوفرون على تأمين بمقابر أو مربعات إسلامية بدول الاستقبال، وذلك نظرا للتداعيات التي أفرزتها التدابير والإجراءات المتخذة من طرف مجموعة من الدول لمواجهة تفشي جائحة فيروس كورونا "covid 19" على مستوى ترابها الوطني وكذا الدولي، وأمام تعذر ترحيل جثامين المغاربة المتوفين بالخارج لتوارى الثرى بأرض الوطن.
وأكدت الوزارة أن التمثيليات الدبلوماسية والمراكز القنصلية للمملكة المغربية بالخارج، ستسهر على تنفيذ هذا القرار عبر التنسيق مع أسر المتوفين وفق معايير وإجراءات محددة.
وأضافت أن هذا الإجراء الجديد يأتي من أجل تكييف آلية ترحيل الجثامين الذي تشرف عليه الوزارة المنتدبة مع الأوضاع الحالية، بهدف تقديم كل الدعم للمغاربة المقيمين بالخارج وأسرهم في هذه الظرفية الخاصة التي تتطلب من الجميع التحلي بروح المواطنة والمسؤولية والتضامن وتفهم الأوضاع التي يمر منها العالم بسبب هذه الجائحة.
وذكرت الوزارة أنها كانت تعمل على التكفل بترحيل الجثامين إلى أرض الوطن في تنسيق تام مع التمثيليات الدبلوماسية والمراكز القنصلية للمملكة المغربية بالخارج، وفق برنامج يستهدف المغاربة المقيمين بالخارج الذين يوجدون في وضعية هشة وفي حالة عوز، والذين لا يتوفرون على تأمين خاص بترحيل الجثامين والبالغة أعمارهم سنة فما فوق.
وفي تصريح لموقع يابلادي قال سالم الفقير رئيس جمعية "كاب سود" للمغاربة المقيمين بالخارج، إن بلاغ وزارة الجالية جاء بعد مراسلة جمعيته لسفارة المغرب في فرنسا يوم الإثنين الماضي، وذلك بعد "الدوس" على كرامة المهاجرين الذين توفوا "إما بسبب الشيخوخة أو الأمراض المزمنة، والذين كانوا في السابق يوارون الثرى في بلدهم بعد إعادتهم في توابيت محكمة الإغلاق" وتساءل "أين يكمن الخطر في حال تم استئجار طائرة في هذه الظرفية لإعادة الجثامين إلى المغرب؟"، وزاد قائلا إن الرد على المراسلة من خلال بلاغ صحافي "يعني أنه لا يوجد أي قرار لأعادتهم".
"هنا الوضع كارثي، تم تحويل غرفة لتبريد الخضار إلى مستودع للأموات في مدينة رونجي (جنوب باريس)، هناك الكثير من الجثامين منذ بداية انتشار فيروس كورونا المستجد. لم تعد ثلاجات حفظ الموتى كافية. دول أخرى مثل الجزائر وتركيا تقوم بتنظيم رحلات يومية لنقل جثامين الأموات، عل عكس المغرب. نعلم أن سفر الركاب معلق في الوقت الراهن، لكن عمليات النقل الجوي الأخرى ليست معلقة".
وكانت الجمعية قد قالت في مراسلتها لسفارة المغرب في باريس إنه "من الواضح أن العائلات لن تسافر لحضور الجنائز، كما أن نقل الجثامين سيخضع إلى التدابير المتخذة في المغرب فيما يخص عمليات الدفن في ظل حالة الطوارئ الصحية".
من جانبه قال جمال أبناي مدير شركة لنقل أموات المسلمين في جنيفيلييه، إن التوابيث تتراكم على أمل ترحيلها إلى أرض الوطن، وأعرب عن أسفه لقرار السلطات المغربية.
التوابيت يتم غلقها بمجرد تغسيل الأموات، المغرب من الدول الإسلامية النادرة التي لديها جالية في فرنسا، وترفض السماح بترحيل الجثث لمواراتها الثرى في المغرب. التوابيت يتم إغلاقها قبل المغادرة، ويحظر فتحها بعد الوصول إلى وجهتها. هذا ما يجعل من انتشار بكتيريا أو فيروس أمرا مستبعدا، فلماذا لا نأخذ الجثث من أجل دفنها قرب عائلاتها؟".
ويؤكد جمال أبناي أن عائلات العديد من الأشخاص الذين توفوا لدهم رغبة وحيدة، هي دفن أحبائهم في المغرب "رفض السماح بترحيل الجثامين إلى المغرب من شأنه أن يخلق عدة مشاكل، ما بين 70 و80 في المائة من العائلات تنقل موتها إلى المغرب في الظروف العادية. ونتيجة لذلك لم يتم تصميم المقابر أو المربعات الإسلامية لاستيعاب عدد كبير من الأموات. أماكن الدفن امتلأت ولدينا قائمة انتظار تمتد إلى غاي 17 أبريل، لا ننصح العائلات باللجوء إلينا، لكن البعض يغلق التوابيت ويتركها هنا بانتظار احتمال ترحيلها إلى المغرب. يجب على المغرب أن يتصرف، نحن منهكون ولا نعرف كيف سينتهي كل هذا".
وتابع "بدأنا نعاني من نقص في التوابيت، ومن نقص في معدات الحماية، بينما نستمر في تغسيل الجثث"، وتابع أن السلطات الفرنسية كانت صائبة حينما وصفت الوضع الحالي بأنه "حالة حرب".
وفي تصريح لموقع يابلادي انتقد محمد الحشحاش الأمين العام لجمعية النقل والمهارات، بلاغ وزارة الجالية المغربية، وقال "السلع يتم نقلها بشكل عادي" وتساءل لماذا يتم استثناء التوابيت، وأوضح أن سفارة المغرب على غرار الوزارة أخبرتنا أنه "علينا الاندماج في بلدان الإقامة في حين أن الامر لا يتعلق بالاندماج".
وقال حشحاش إنه على اتصال مع أمين بوشعيب الذي يرأس جمعية منتدى المهاجرين في إيطاليا، والذي وجه انتقاداته بدوره بشكل خاص للسلطات المغربية، وأكد في تصريح ليابلادي أنه "بجهد بسيط وقليل من الذكاء، كان يمكن لرئيس الحكومة المغربية أن يجد الحلول، التي تحترم كرامة من توفوا، عليهم إيجاد الحلول لإعادة الاعتبار لهم ولو بعد وفاتهم". وأضاف "هذه الفترة هي اختبار للجميع بمن فيهم السياسيين". وأضاف "نحن في لحظة سيسجلها لتاريخ كما كان الأمر بالنسبة للأوبئة التي مرت بها البشرية في الماضي، سيذكر التاريخ عدم وقوف المسؤولين المنتخبين والأحزاب السياسية المغربية إلى جانب الجالية المغربية، في هذه الأوقات الصعبة".
"إذا كان علينا 'الاندماج' إلى حد دفن موتانا هنا، على النحو الذي أوصت به التمثيليات القنصلية، فما هو دور القنصليات والسفارات والحكومة أيضا، علما أن من بين واجباتها ضمان استمرارية الروابط بين أبناء الجالية ووطنهم الأصلي".
وفي إسبانيا قال رشيد فارس الكاتب العام للمواطنة والتعاون داخل حزب العمال الاشتراكي، إنه قام بعدة محاولات للوساطة بين قنصليات المملكة وأقارب المتوفيين، غير أن جهوده باءت بالفشل، وأنه كان يقابل بعبارة "لا يوجد حل".
وتابع "لا تريد أي من السلطات المغربية اتخاد قرار بشأن هذا الموضوع، أنا على اتصال مباشر بسفاراتنا وقنصلياتنا، من أربع إلى خمس مرات في اليوم، لكن دون جدوى". وعبر عن أسفه "للخوف غير المبرر من أن هذه الجثث ستتسبب في انتشار فيروس كورونا المستجد، (...) البعض يشير بأصابع الاتهام إلى أفراد الجالية في تفشي الوباء بالمغرب".
فيما قال أمين بوشعيب "لقد تعرضنا للإهانة على قيد الحياة، ولآن يهان موتانا، من خلال رفض ترحيلهم إلى وطنهم لدفنهم في ترابه".
وفي مواجهة رفض السلطات المغربية ترحيل الجثامين إلى المغرب، عبر رشيد فارس عن أمله في أن ينهي الطب الشرعي هذا الموضوع، من خلال توضيح علمي في شكل توصية أو رأي "وهو ما سيزيل الغموض حول إمكانية انتقال العدوى من داخل التوابيت. إنها مسألة كرامة لأولئك الذين قضوا حياة شاقة، وكانوا يأملون في أن يواروا الثرى في البلد الذي ولدوا فيه".