بعد طول انتظار أصدر المجلس الوطني لحقوق الانسان، تقريره "حول احتجاجات الحسيمة"، بعدما تمت المصادقة عليه خلال الدورة الثانية للجمعية العامة للمجلس المنعقد من 6 إلى 8 مارس الجاري.
وقال المجلس إن هذا التقرير جاء نتيجة "ثمرة أشهر طويلة ومضنية من الاشتغال"، بالاعتماد على الوثائق، وأشرطة الفيديو، والاجتماعات وجلسات الاستماع، والشهادات، والتقصي، والزيارات المتعددة التي قام بها فريق المجلس.
وجاء في تقرير المجلس الذي تمت صياغته ما بين نونبر2019 ومارس 2020، أن احتجاجات الحسيمة أخذت طابعا سلميا من أكتوبر 2016 إلى مارس 2017، ووصفها بأنها "من أطول المدد التي سجلها تاريخ الاحتجاج السلمي في المغرب"، وأضاف أن "أعمال العنف بدأت بعد أول محاولة اعتصام بنصب الخيام بساحة محمد الخامس حيث خلف تفريقها إصابات مختلفة".
وبحسب التقرير فإن "أعمال العنف الحاد" سجلت "أكثر الإصابات خطورة وأكثر الخسائر تكلفة. فعلى صعيد الإصابات أدت إلى العجز الدائم عند بعض رجال القوات العمومية. وعلى الصعيد النفسي والاجتماعي شكلت أعمال العنف الحاد صدمات عميقة ووسمت العلاقات الاجتماعية بشكل مزمن أحيانا".
وقال المجلس إن 788 من عناصر القوات العمومية أصيبوا بجروح، وأنه تم اعتقال 400 شخصا، لا يزال منهم إلى حدود الآن 49 شخصا.
وبحسب المجلس فإن "تجذر عنف الحركة الاحتجاجية قابله استخدام متزايد للقوة من جانب السلطات العمومية. وعندما كان استخدام القوة ضروريا في بعض منها، فقد كان بالإمكان أن تكون غير مفرطًة، خصوصا أثناء تفريق التجمهرات والإيقافات". وتحدث التقرير عن "تسجيل حالة وفاة (بين المتظاهرين) يمكن وصفها، ضمن ملابسات وقوعها، بأنها عملية دفاع عن النفس".
وعبر المجلس عن قلقه من الطبيعة "المتعمدة للعديد من حلقات العنف، حيث تبين من خلال ذلك أن المحتجين كانوا مستعدين بشكل واضح للاشتباكات".
حرية العقيدة والتحريض على العنف
تحدث التقرير عن "اقتحام" ناصر الزفزافي يوم 26 ماي 2017 "المسجد أثناء خطبة الجمعة مقاطعا الإمام ومخاطبا المصلين داخل المسجد"، وهو ما ترتب عنه "حرمان المصلين من ممارسة حقهم في صلاة الجمعة، حيث أم بهم الإمام في نهاية المطاف صلاة الظهر (أربع ركعات) عوض صلاة الجمعة".
وبخصوص هذه الواقعة قال المجلس إن الأمر لا يتعلق "بنقاش عمومي وبفضاء من الفضاءات العمومية، حيث تتواجه الآراء والمواقف محتكمه إلى الحجة والبرهان. بل نحن أمام شعيرة تعبدية، لها دلالتها القدسية، يمارسها المؤمنون بها".
وتابع التقرير أنه إذا حدث وكان خلاف أو اختلاف حولها، فمكان التعبير عنه في الفضاء العمومي، وأنه لو اكتفى "ناصر الزفزافي بانتقاد الخطبة خارج المسجد، لكان يمارس حقه المشروع في حرية التعبير. لكنه باقتحامه للمسجد، يكون قد اعتدى على حق الذين كانوا بالمسجد في ممارسة حرية تعبدهم وحريتهم الدينية. ولذلك فإنه قد خرق حقهم في ممارسة شعائرهم". وبحسب المجلس فإن فعل اقتحام المسجد وتوقيف خطبة الإمام يمثل "خرقا لحرية العبادة وحماية فضائها".
واعتبر المجلس إلقاء ناصر الزفزافي لخطاب من على سطح منزل "وهو في حالة الفرار نموذجا ملحوظا لخطاب التحريض على العنف والكراهية الذي انتشرت نماذجه خلال الاحتجاجات". وتابع "لا يمكن تبرير مقاومة أي إيقاف، تحت أي ظرف كان، في دولة يسودها القانون".
حرية التجمع والتعذيب
في الباب المخصص لحرية التجمع قال التقرير إنه من بين 814 احتجاجا (وأغلبيتها دون ترخيص ولم يتم منع سوى احتجاجين إثنين) وتجمع، 40 % من الاحتجاجات تطلبت تأطيرا أمنيا خاصا. و08% منها استعملت فيه القوة "بسبب ضرورة النظام العام أو السلامة البدنية أو حرية التنقل".
ووصف المجلس التواصل بين المحتجين والقوات العمومية بأنه كان "خافتا أو منعدما"، مضيفا أن "منع بعض المحتجين للبعض الآخر من التفاوض أو من رفع العلم الوطني يعد تضييقا على حرية التعبير".
وبخوص "ادعاءات التعذيب" فقد قسمها المجلس إلى خمس مجموعات، حيث تضم المجموعة الأولى "ادعاءات قدد تتوفر فيها عناصر فعل التعذيب"، وأورد ضمنها حالة ثلاث معتقلين، هم محمد بوهنوش، الذي استنتج كل من طبيب المجلس أو طبيب السجن في تقريريهما، وجود ألام على مستوى العنق مع غياب آثار العنف على الجسم، والحسين الإدريسي الذي "استنتج الفحص الطبي الذي أمر به قاضي التحقيق عدم ثبوت أي علامات أو آثار اكلينيكية على مستوى الجلد تبرر ادعاءاته"، و زكرياء أضهشور الذي "سجل طبيب المجلس في تقريره توافق التصريحات مع الاثار التي يحملها. ولم يسجل الفحص الطبي الذي أمر به قاضي التحقيق أي آثار متوافقة مع تصريحات المعني بالأمر".
فيما ضمت المجموعة الثانية "ادعاءات بالاستعمال المفرط للقوة"، وضمت الحالات "التي بينت الفحوصات الطبية (المتعددة) المتعلقة بهم بأن الجروح أو الكدمات أو الندوب مثلت قرائن للاستخدام غير المتناسب للقوة، وهي الحالات التي قاومت خلال الإيقاف".
وضمت هذه المجموعة تسع حالات من بينها حالة ناصر الزفزافي الذي أكد "الطبيبان أن ما تعرض له يمكن أن يرجع لاستخدام غير المتناسب للقوة أثناء الإيقاف".
أما المجموعة الثالثة فقد ضمت "ادعاءات المعاملة القاسية أو اللاإنسانية"، وجاء ضمنها ثلاث حالات، ووضع المجلس ضمن المجموعة الرابعة "ادعاءات المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة"، حيث ضمت الحالات التي ضرها فيها المعتقلون بأنهم تعرضوا "لأشكال مختلفة من السب والشتم والقذف والإهانات اللفظية، سواء أثناء الإيقاف أو في سيارات الشرطة أو أثناء الاعتقال الاحتياطي أو خلال إنجاز المحاضر أو لتوقيعها".
فيما ضمت المجموعة الأخيرة "حالات لم يتم ثبوت تعرضها لعنف"، وأدرج بها 28 حالة، من بينهم ربيع الأبلق، والحبيب الحنودي، ووسيم بوستاتي.
وقال التقرير إنه تم فتح بحث في شكايات بعض المتهمين بشأن العنف الذي تعرضوا له اثناء ايقافهم من طرف الشرطة القضائية بالحسيمة، غير أنه لم يتم "اشعار المتهمين ودفاعهم بنتائج البحث"، وسجل المجلس "ان حالات ادعاءات التعذيب لم تحظى بالتداول والمناقشة الكافيين بخصوصها خلال المحاكمات".
محاكمة المعتقلين
سجل المجلس في تقريره أن محاكمة المتابعين في احتجاجات الحسيمة أمام محكمة الاستئناف بالدار البيضاء تميزت باستيفاء معيار "استقلال" المحكمة، وأن "المحكمة التي بتت في القضية منشأة بموجب القانون"، وبأن المحاكمة كانت علنية، وتم النطق بالأحكام في جلسة علنية.
وفيما يتعلق باحترام قرينة البراءة جاء في التقرير "أن البلاغات التي صدرت عن النيابة العامة لم تمس بقرينة البراءة"، كما أنه لم يتم إكراه المتهمين على الاعتراف، فضلا عن إشعار "جميع المتهمين بحقهم في الصمت".
وأوصى المجلس في نهاية تقريره "بإعمال التأويل الحقوقي للحق في التظاهر السلمي، بغض النظر عن التصريح أو الإشعار"، وبألا "يكون هناك استخدام مكثف لسلطات الإيقاف والبحث"، و"عدم تحميل المعتقل عبأ إثبات ادعاءات التعذيب".
كما أوصى المجلس بالمصادقة على بروتوكول إسطنبول دليل التقصي والتوثيق الفعالين للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وطالب السلطات المعنية بتعميق البحث حول حالات اعتبر المجلس أنها يمكن أن تتوفر فيها عناصر فعل التعذيب والمعاملة القاسية واللاإنسانية، بما يضمن حق المعنيين بالأمر في الانتصاف، وطالب أيضا "السلطات المعنية بنشر نتائج البحث".