توفي نهار اليوم الثلاثاء الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك الذي حكم مصر لمدة 30 سنة عن عمر يناهز 91 سنة.
تولى مبارك الحكم في 14 أكتوبر 1981 خلفا لأنور السادات الذي اغتيل من قبل متشددين إسلاميين أثناء عرض عسكري احتفالا بانتصار حرب أكتوبر (حرب مصر وإسرائيل سنة 1973). واستمر على رأس قيادة أكبر بلد عربي من حيث عدد السكان، إلى حدود سنة 2011، حيث أطاحت به ثورة شعبية أطلق عليها اسم ثورة 25 يناير.
وتمزت فترة حكم الرئيس الراحل بتقارب كبير مع المغرب عكس ما كان عليه الأمر في عهد سلفه أنور السادات، وجمال عبد الناصر الذي كان أكثر قربا الجزائر.
وخلال فترة عبد الناصر كان حسني مبارك طيارا في الجيش المصري، وبعد اندلاع حرب الرمال بين المغرب والجزائر سنة 1963 بسبب مشاكل حدودية، حاول عبد الناصر مساعدة الرئيس الجزائري أحمد بنبلة، وأرسل لواء عسكريا كان ضمنه حسني مبارك.
ولم تسر الأمور كما يشتهيه مبارك، فقد تسببت عاصمة رملية في جنوح طائرته (هيليكوبتر) باتجاه المغرب، وما إن رست فوق أرض محاميد الغزلان حتى، قام سكان المنطقة بالإحاطة به وقيدوه إلى جدع نحلة، قبل أن يتدخل المسؤولون المغاربة لاعتقاله، وبعد أشهر من ذلك سلمه الحسن الثاني رفقة الجنود المصرين الذين كانوا برفقته إلى الرئيس جمال عبد الناصر.
وفي سنة 1970 توفي جمال عبد الناصر وخلفه أنور السادات، وتميز عهد الرئيس الجديد بالقطيعة مع سياسة سلفه، وفي سنة 1978 وقع اتفاقية "كامب ديفد" للسلام مع إسرائيل، وهو ما كان يعتبر حينها من المحرمات في العالم العربي، إذ أعلنت الدول العربية عن طرد مصر من الجامعة العربية، ونقل مقرها من القاهرة إلى تونس.
وشملت المقاطعة المنتجات المصرية والشركات والأفراد المتعاملين مع إسرائيل، وتعليق الرحلات الجوية، ومنع المساعدات المالية المقررة لمصر بعد حرب 1973.
وبقيت الأمور على حالها إلى حدود سنة 1981، حين تم اغتيال أنور السادات، ليخلفه مبارك في رئاسة البلاد، وتمزت فترة حكمه بالحياد فيما يخص الخلاف المغربي الجزائري. وفي عز المقاطعة العربية، قام مبارك بزيارة إلى المغرب في شهر فبراير من سنة 1984، واستقبله الحسن الثاني.
وبدت مواقف المغرب ومصر أكثر قربا مما كانت عليه في السابق، وعلى غرار مصر وبالضبط في سنة 1986، استقبل الحسن الثاني الرئيس الإسرائيلي الأسبق شيمون بيريز في مدينة إفران.
وخلال القمة العربية التي انعقدت في الدار البيضاء سنة 1989، عمل المغرب جاهدا على وضع حد للقطيعة العربية لجمهورية مصر، وشهدت القمة مشاركة مصر لأول مرة منذ سنوات.
وفي خطابه أمام القمة جدد الحسن الثاني "تشبث العرب بإطار الجامعة العربية وبميثاقها مع ضرورة مراجعة بعض الفصول"، ورحب بعودة مصر إلى الأسرة العربية ونوه بالشعب المصري الذي قاتل وكافح أزيد من نصف قرن.
وأعطى الملك الراحل بعد ذلك الكلمة للرئيس المصري حسني مبارك الذي وجه في البداية الشكر للعاهل المغري الذي "هيا لنا أن نجتمع على أرض عربية" كما أشاد بالجهود التي قام بها الحسن الثاني لينعقد هذا "المؤتمر التاريخي في أجواء نقية كلها مودة أخوية ورغبة صادقة في العمل الموحد المشترك الذي يحدد مسار الأمة العربية نحو غد مشرق وفجر جديد".
وفي يونيو سنة 1999 زار مبارك المغرب بدعوة من الملك الحسن الثاني، بمناسبة اجتماع الدورة الثالثة للجنة العليا المشتركة، وفي شهر يوليوز من نفس السنة، كان الرئيس المصري الراحل حريصا على حضور جنازة العاهل المغربي.
وفي عهد محمد السادس تميزت العلاقات بين البلدين بتقارب وجهات النظر، وفي سنة 2000، قام العاهل المغربي الجديد بثلاث زيارات إلى مصر، ففي أبريل شارك في قمة أوروبا إفريقيا التي احتضنتها العاصمة المصرية، ثم تلتها زيارة رسمية ثانية قام بها في الثاني عشر من شهر ماي من نفس السنة بدعوة من حسني مبارك بمناسبة اجتماع الدورة الرابعة للجنة العليا المشتركة، وكانت الزيارة الثالثة بمناسبة اجتماع القمة العربية الطارئة في 22 أكتوبر 2000.
وفي شهر نونبر من سنة 2002 زار حسني مبارك المغرب، وعاد في سنة 2006 لزيارة المملكة من أجل رئاسة الدورة السادسة للجنة العليا المصرية المغربية.
وبعد الإطاحة بمبارك سنة 2011 عبر المغرب عن "ارتياحه للنوايا والالتزامات الواضحة التي عبرت عنها المؤسسة العسكرية بمصر (...)، لضمان انتقال سلمي نحو سلطة مدنية منتخبة بشكل ديمقراطي".
وأوضح بلاغ لوزارة الشؤون الخارجية والتعاون المغربية أن المملكة يأمل في أن "تواصل مصر الاضطلاع بدورها الكامل والأساسي على الساحة الإقليمية والدولية، خصوصا في الدفاع عن قضايا العالم العربي والأمة الإسلامية".
كما أكد المغرب تشبثه "بالعلاقات الأخوية العميقة بين البلدين الشقيقين، واستعدادها لتعزيزها، وتعميقها وتوسيعها في المستقبل".