لقد أعاد دفء العلاقات الدبلوماسية بين المغرب والجزائر، خصوصا بعد تصريح وزير الداخلية الجزائري، في التاسع والعشرين من يناير المنصرم، لما قال "بأن هناك احتمال كبير لإعادة فتح الحدود بين المغرب والجزائر"، قضية فتح الحدود للواجهة وأصبحت مصدر إلهام للجرائد الجزائرية، إذ أن جريدة الوطن الجزائرية قد نشرت ملفا، يوم الاثنين، حول المنافع الاقتصادية التي ستعود على الجزائر إذا ما تم فتح الحدود مع المغرب وخصوصا التقرير الذي أعدته الجريدة في مدينة مغنية، الواقعة على الحدود الجزائرية، من أجل أخد رأي الساكنة هناك حول فتح الحدود بين المغرب والجزائر، وللإشارة فمدينة مغنية كانت في ما مضى تظهر في الصحف الجزائرية على أنها ذلك الثغر الذي يتم من خلاله تهريب المخدرات والبنزين.
وحسب التقرير الذي أعدته الجريدة، فإن سكان مدينة مغنية متحمسون لإعادة فتح الحدود الجزائرية-المغربية، ويشير عادل وهو سائق سيارة أجرة في المدينة، إلى "أن أغلبية السكان بالمدينة يرغبون في إعادة فتح الحدود"، كما أن أحد التجار يرى بأن "إغلاق الحدود لا يخدم سوى مصالح المهربين".
وبعيدا عن هذه النتائج التي يكشف عنها الواقع، يظهر جليا أن الصحفي الذي أعد الملف يعبر عن رأي واضح، إذ جاء في مقاله بأن" هناك إجماع من طرف الخبراء الاقتصاديين على أن إعادة فتح الحدود ستعود بالنفع على اقتصاد وشعب البلدين معا، وأن الاستمرار في إغلاق الحدود ليس له معنى لأنه لا يقوم على حجج اقتصادية دامغة".
إجماع جديد
وبالرغم من إجماع الخبراء الاقتصاديين، فإن الصحفي، الطيب بلغيش، وإلى حدود الخامس من ماي الماضي، لم يكن بشكل واضح جزءا من هذا الإجماع، إذ أنه لم يتمنى يوما بأن تقبل الجزائر بفتح الحدود، التي يطالب بها المغرب، وجاء في مقاله: "...هذا يعني منح المغرب 6 ملايير أورو في السنة مقابل زيادة تدفق المخدرات والكحول المغشوشة والسلع المقلدة القادمة من هذا البلد، وهذا يذكرنا بكلمات يازيد زرهوني عندما كان وزيرا للداخلية".
وبالرغم من المعارضة الشديدة التي يبديها الصحفي لقضية فتح الحدود، التي يدافع عنها موقف الجريدة التي يشتغل بها، وبغض النظر عن المقالات العديدة التي تتحدث عن ظاهرة التهريب في النقاط الحدودية بين البلدين، فإن الملف الذي نشرته جريدة الوطن، يوم أمس الاثنين، لا يشير مع ذلك إلى أن هناك غياب كلي للموقف الذي تتبناه وسائل الإعلام الجزائرية، ففي الثالث والعشرين من مارس الماضي، قامت الجريدة بنشر تقرير أعدته فوق التراب المغربي في محاولة لأخذ آراء المغاربة حول إعادة فتح الحدود.
" ... لكونهم أساؤوا فهم السياسة الواقعية، يفضل المغاربة والجزائريون نسيان كل ما يجمعهم ويقربهم و يتذكرون فقط ما يفرقهم "، بهذه الكلمات ختم الصحفي مقاله بعد تعاطفه الكبير مع وجهة النظر المغربية.
أهناك أي التزام سياسي؟
يظهر جليا اليوم أن هذا المقال الطويل، الذي تصدر جريدة الوطن، يتميز في مجمله بتغيير الموقف، لكنه يتميز أيضا بالرأي المؤيد لفتح الحدود، والذي جاء في قالب ملف اقتصادي من أربع مقالات تصب في نفس الاتجاه، أي المنفعة التي ستجنيها الجزائر من وراء فتح الحدود مع المغرب.
" إعادة فتح الحدود سيكون له تأثير إيجابي على البلدين"، هذا هو عنوان الحوار الذي أجراه الصحفي مع السيد هشام الموساوي، أستاذ باحث في جامعة السلطان مولاي سليمان في المغرب، وكان المقال المعنون ب: "المغرب-الجزائر، ما الذي تغير بين الفترتين 1989 و 1994" مجرد لمحة تاريخية قام بها إحسان القاضي الذي طلب من السلطات الجزائرية تجديد معلوماتها بخصوص التأثير الاقتصادي إذا ما تم فتح الحدود من جديد، في حين أن المقال الثالث المعنون ب: "إغلاق الحدود في صالح لوبيات محددة" هو حوار مع كاميل ساري، رئيس معهد الدراسات الأوروبية المغاربية والتوقعات.
كل هذا الكم الهائل من المقالات، التي جاءت لتؤكد أطروحة وحيدة لا لبس فيها بعد أسبوع من تصريح وزير الداخلية الجزائري، تعتبر عن موقف حقيقي اتخذته جريد الوطن. وعلى غير عادتها تقوم الجريدة باتخاذ موقف مغاير للخطاب الإعلامي الجزائري، ، فهل تسعى من وراء هذا الموقف إلى تهيئ الرأي العام الجزائري إلى إعادة فتح الحدود ؟