في سنة 1974 قامت إسبانيا بإجراء إحصاء سكاني لما كان يعرف آنذاك بـ"الصحراء الإسبانية"، وبعد ذلك أصدرت حكومة مدريد قانون الجنسية الصحراوية.
وفي 20 غشت من نفس السنة أعلن نظام فرانكو في إسبانيا الذي كان قد شارف على نهايته، عن نيته إجراء استفتاء لتقرير المصير خلال الأشهر الستة الأولى من عام 1975، يتضمن خيار الاستقلال وتكوين دولة جديدة.
لكن الحسن الثاني رفض إجراء هذا الاستفتاء وهدد باستعمال القوة العسكرية لمنعه، وأعلن رفضه قيام كيان جديد "مصطنع" في الصحراء.
وفي شهر شتنبر من سنة 1974، تقدم المغرب بطلب إلى الأمم المتحدة، من أجل إحالة قضية الصحراء على محكمة العدل الدولية، لتبدي رأيا استشاريا في الموضوع، حول ما إذا كانت أرض الصحراء أرضا خلاء قبل احتلالها من طرف إسبانيا، وأيضا حول الروابط القانونية التي تجمع بين سكانها وسكان المغرب وموريتانيا.
آنذاك لم تكن الجزائر تقف في صف المعارضين لضم الصحراء إلى المغرب، وهو ما بينه ملك المغرب الراحل الحسن الثاني خلال مؤتمر صحافي بالرباط، الذي نظمه للرد على أسئلة مختلف المنابر الإعلامية، الدولية والوطنية، وتوضيح الموقف المغربي من قضية الصحراء.
بومدين مستعد لتقديم المساعدة للمغرب
وبحسب نص المؤتمر الصحافي الذي عقد في شهر شتنبر من سنة 1974، والمنشور في العدد 2 من سلسلة "دفاتر الصحراء" التي أصدرتها وزارة الاتصال في نونبر من سنة 2015، فقد رد الملك الراحل الحسن الثاني على سؤال حول وجود أطماع جزائرية في الصحراء بالقول "لقد قلت في مستهل هذه الندوة الصحفية إن المغرب ينطلق من مبدأ كونه المعني الوحيد وأن هذا هو السبب الذي جعله يطلب رأي محكمة العدل الدولية".
وتابع قائلا "ويمكن للبعض أن يعتقد أن موريتانيا معنية، غير أن ذلك من اختصاص محكمة العدل الدولية، ومهما يكن من أمر فإن الجزائر لم تكن أبدا معنية بالصحراء، وقد صرحت رسميا بذلك كما أنه لا حاجة لها بأن تكون معنية بالصحراء فهي ليست طرفا لا في النزاع ولا من حيث المطالب". وفي سؤال آخر حول ما إذا كان مرتاحا من موقف الجزائرية، قال الحسن الثاني:
"أجل إنني مرتاح ما دامت الجزائر لا تطالب بما هو ملك للمغرب، لقد أعلنت الحكومة الجزائرية رسميا ذلك كما صرح لي به الرئيس هواري بومدين، انه رجل برهن حتى الآن أنه يحترم التزامه دائما، وقد قال لي إن الجزائر ليست لها أي مطمع في الصحراء، بل أكثر من ذلك طلب مني أن أخبره مسبقا قبل 48 ساعة في حالة وقوح حادث عسكري -لا قدر الله- حتى يتمكن من الوقوف إلى جانبنا، وقد قال كل هذا بالحرف، ولا يسعني إذن إلا أن أكون مرتاحا".
وفي سنة 1974 كان الموقف الجزائري قريبا من الموقف المغربي بخصوص قضية الصحراء التي كانت خاضعة للاحتلال الإسباني، حيث قال الملك الراحل في ذات المؤتمر الصحافي "أعتمد على رئيس الدورة المقبلة (للأمم المتحدة) وهو من بلدان المغرب أي السيد عبد العزيز بوتفليقة وزير الشؤون الخارجية في الحكومة الجزائرية، الذي يريد قبل غيره أن يجنب بلاده الاختيار بين ضرورة تأييد موريتانيا وبين ضرورة مساندة المغرب، وأنه وضع تواجهه كذلك كثر من الدول العربية والإفريقية والدول الأوروبية للسوق المشتركة والدول الكبرى".
وبخصوص لجوء المغرب إلى محكمة العدل الدولية، قال الحسن الثاني "إن الحكومة الإسبانية تدعي أن الصحراء لم تكن ملكا لأي كان كما تدعي بأن الصحراء أرضا مواتا أو تركة لا وارث لها كما تدعي بأنه لم يكن في الصحراء لا سلطة ولا إدارة قائمة، فإن المغرب يقول عكس ذلك. لذا فإننا نطلب تحكيم محكمة العدل الدولية التي ستقول كلمتها الفصل".
وأكد الحسن الثاني أن هذه المحكمة التي تعتبر هيئة تابعة مباشرة للأمم المتحدة، "ستقول كلمة الفصل بناء على الوثائق والمستندات وتستطيع آنذاك تنوير منظمة الأمم المتحدة قصد توجيه المغرب وإسبانيا إلى السبيل الواجب اتباعه". وأوضح أنه إذا "وجدت محكمة العدل الدولية فعلا بأن الصحراء لم تكن لأي كان وأنها كانت أرضا مواتا ليست لأحد وملكا لا وارث له فسأقبل الاستفتاء. وأقول طيب إنها ليست ملكا لأحد ويمكن لي الإقدام على الاستفتاء حتى مع عشر دول مجاورة إذا أرادت ذلك".
وواصل قائلا "لكن إذا صرحت محكمة العدل بأن المغرب له رسوم الملكية ورسوم قانونية فسأطلب إذ ذاك من منظمة الأمم المتحدة أن تقترح علينا وعلى إسبانيا أن نتفاوض مباشرة".
وعقد هذا المؤتمر قبل شهر واحد من انعقاد القمة العربية (أكتوبر سنة 1974) بالعاصمة الرباط، والتي تمت خلالها مناقشة قضية الصحراء، آنذاك أعلن الرئيس الجزائري الهواري بومدين أمام قادة الدول والحكومات العربية أن مشكلة الصحراء لا تهم سوى المغرب وموريتانيا، وأن الجزائر مع الدولتين وتؤيد تحرير كل شبر من الأرض لا فقط في الصحراء الغربية، بل أيضا في سبتة ومليلية وكل الجزر التي لا تزال تحت الاحتلال الإسباني.
وبعد انتهاء مؤتمر القمة العربية، عقد الملك الراحل الحسن الثاني مؤتمرا صحافيا آخر قال فيه، بخصوص موقف الجزائر من نزاع الصحراء:
"رئيس الجمهورية الجزائرية السيد الهواري بومدين قد تناول الكلمة خلال المؤتمر، (وكلامه مسجل في أرشيف الأمانة العامة) ليقول ما معناه "أن الجزائر ليست معنية بالأرض سواء ما فوق الأرض أو ما تحتها، وليست لها أية مطامع ترابية، وهي معنية فقط بحكم أنها ستكون لها حدودا مشتركة ولها بالفعل حدود مشتركة فهي معنية بالأمر إذا وقعت مواجهة في المنطقة، أن تعرف موقف المغرب وموريتانا من الوضع في منطقة الصحراء" وباستثناء هذه الاهتمامات الناتجة عن الجوار وهي اهتمامات طبيعية فإن الجزائر قد أعلنت أنها تريد أن تجعل حدا لهذا الإبهام".
الجزائر تغير موقفها
وفي 16 أكتوبر من سنة 1975 أصدرت محكمة العدل الدولية قرارها الاستشاري الذي نص على وجود علاقات تاريخية بين الصحراء الغربية من جهة والمغرب وموريتانيا من جهة ثانية. ذات القرار نص على أنه لا توجد أي "روابط للسيادة الترابية بين أراضي الصحراء الغربية من جهة، ومملكة المغرب أو مجموع التراب الموريتاني من جهة أخرى".
وفي اليوم ذاته أعلن الحسن الثاني عن تنظيم مسيرة شعبية إلى الصحراء، أطلق عليها اسم المسيرة الخضراء، من أجل دفع المستعمر الإسباني إلى مغادرتها، ويشير الملك الحسن الثاني في كتاب "ذاكرة ملك"، أنه أوفد لبومدين الحاج محمد باحنيني، وزير الدولة الأمين العام للحكومة، ويضيف أنه "بعد عودته، روى لي أن بومدين في حالة غير طبيعية، حيث بادره القول، " إنها حماقة أن تجمع 350 ألف شخص ليس أمرا هينا، إذ تصعب السيطرة على الوضع، لا سيما وأن ذلك يحدث على حدود بلدي وأنا معني بهذا الأمر". ويضيف الحسن الثاني أن بومدين كان يبحث عن
"أي سبب يمكنه من الزعم أنه معني بالموضوع. فهو لم يخف محاولته هاته.. إذ كان يردد مطالبته على الدوام بتقرير المصير، في فيتنام والكمبودج انطلاقا من اقتناعه الراسخ، لذلك كان يرى أنه من الجور الصارخ ألا يطالب بنفس الشيء للبوليساريو الذي كان يوجد على حدود الجزائر، إنه لغريب حقا أنل يقول بومدين عن نفسه أنه مولع بالديمقراطية ومناصر لتطبيق مبدأ تقرير المصير".
وفي السادس من شهر نونبر من سنة 1975 أعطى الملك الحسن الثاني إشارة بدء المسيرة التي شارك فيها 350 ألف شخص، وعبر المشاركون الحدود التي كان يضعها المحتل الإسباني.
وفي 14 نونبر وقع كل من المغرب وموريتاني وإسبانيا، اتفاق ثلاثيا بمدريد، حول خروج إسبانيا من الصحراء وتقسيمها بين الدولتين (الساقية الحمراء للمغرب ووادي الذهب لموريتانيا). ورد النظام الجزائري بطرد حوالي 45 ألف أسرة مغربية دفعة واحدة دون سابق إنذار، باتجاه الحدود الشرقية للمغرب.
وفي 27 فبراير من سنة 1976 أعلنت جبهة البوليساريو من جانب واحد عن قيام "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية" من تندوف الجزائرية، وهو ما خلق توترا مزمنا في العلاقات المغربية الجزائرية لا يزال مستمرا إلى الآن.