انقسمت الأحزاب السياسة المغربية، بين معارض ومؤيد لتعديل الفصل 47 من الدستور، الذي ينص في إحدى فقراته على أن الملك يعين رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها.
وبينما دعا قادة أحزاب التجمع الوطني للأحرار، والحركة الشعبية، والاتحاد الاشتراكي، والاتحاد الدستوري، والأصالة والمعاصرة، إلى تغيير هذا الفصل من أجل السماح للملك بتعيين رئيس الحكومة من حزب آخر، أو من تحالف أحزاب يمتلك الأغلبية، يصر حزب العدالة والتنمية ومعه حزب التقدم والاشتراكية على عدم تعديل هذا الفصل.
أجندة سياسية
وفي تصريح لموقع يابلادي قال محمد ضريف، أستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق بالمحمدية، "الدستور دائما ما تكون فيه بعض الفراغات، وهو عادة يتكلم عن المبادئ ويترك التفاصيل للقوانين التنظيمية". وأضاف أن "الفراغات تقود إلى التأويل، وفي بعض المناسبات تتدخل المحكمة الدستورية لتأويل النص الدستوري".
"وفي حالة الفصل 47 هناك خيارين إما تركه كما هو عليه، أو تعديله لكي تكون الأمور واضحة، كما هو الحال في الدستور التونسي الذي تمت المصادقة عليه سنة 2013 والذي ينص على أن الحزب الذي يتصدر الانتخابات يتكلف بتشكيل الحكومة في مدة محددة يمكن تمديدها مرة واحدة، وفي حال فشل في ذلك، رئيس الجمهورية يكلف شخصية أخرى يرى أنها من الممكن أن تشكل الحكومة، وفي حالة لم تتمكن هذه الشخصية من ذلك يتم حل البرلمان والإعلان عن انتخابات جديدة".
وبحسب ضريف فالمشكل في الفصل 47 من الدستور المغربي، "يكمن في عدم حديثه عن مدة تشكيل الحكومة، ومن سيتكلف بتشكيلها في حال فشل الشخص الذي اختاره الملك في ذلك". وأضاف أن هذا "النقص ظهر بشكل جليا في بلوكاج بنكيران".
ورغم ذلك قال ضريف "إننا غير ملزمين بتعديل الفصل لكي تكون الأمور واضحة، ويمكن بدل ذلك اعتماد عرف دستوري مكمل للنقص الموجود في النص المكتوب".
وأكد أن "الدستور بصيغته الحالية محكوم بخلفيات سياسية، ولا يمكن أخذ موقف من الفصل 47 دون ربطه ببلاغ الديوان الملكي الذي أعفى بنكيران من رئاسة الحكومة، والذي تحدث أيضا عن اختيارات دستورية توجد أمام الملك".
من جهته قال عبدالرحيم العلام، أستاذ القانون الدستوري بجامعة القاضي عياض في تصريح لموقع يابلادي إن "المطالبة بتعديل الفصل 47 مطلب قديم، عندما كان هناك استفتاء حول الدستور كان من بين المؤاخذات عليه، وجود مجموعة من الثغرات والبياضات التي ينبغي معالجتها، ومن بينها الفصل 47 الذي لا يحدد ماذا سيحدث إذا لم يوفق الحزب الفائز بالمرتبة الأولى في تشكيل الأغلبية، والآجال الممنوحة لهذا الحزب وغيرها من الأمور".
وتابع قائلا "آنذاك لم تكن الأحزاب التي تطالب الآن بتعديل الدستور تناصر هذا المطلب، بل انخرطت في هستيريا جماعية للتصويت بنعم دون الانتباه إلى الملاحظات التي سجلها الباحثون حول الموضوع، اليوم كان سيكون هذا النقاش عاديا جدا، لو أنه صدر عن أحزاب ليست لديها أجندة معينة".
"تعديل الفصل 47 من الدستور هو محط صراعات حزبية، الأحزاب التي تدافع عن التعديل، تريد حرمان الحزب الفائز بالانتخابات من تشكيل الحكومة، لأنها تتخوف من فوز حزب العدالة والتنمية بالانتخابات، وتريد أن يحدد هذا الفصل آجالا لتشكيل الأغلبية، وبعدها المرور إلى الحزب الثاني في اللائحة، وبذلك فهي تفكر في محاصرة حزب العدالة والتنمية، وهذا هو الخطير في مطلب تعديل الفصل 47 من الدستور".
بالمقابل يرفض حزب العدالة والتنمية "التعديل لأنه يتوهم أنه سيفوز بالمرتبة الأولى في الانتخابات القادمة، وأن التعديل موجه ضده" بحسب العلام.
وأضاف أنه "لا الأحزاب السياسية المطالبة بالتعديل تبتغي المصلحة العامة، ولا الحزب الذي يرفض ذلك يريد المصلحة العامة. لذلك إذا كان هناك أي تعديل فينبغي أن يكون تعديلا شاملا، يضم العديد من الفصول بغض النظر عن الأجندات الحزبية".
نمط الاقتراع
وإلى جانب الفصل 47 من الدستور، تطالب بعض الأحزاب بتغيير نمط الاقتراع النسبي المعتمد في الانتخابات المغربية، والذي تقدم بموجبه الأحزاب المشاركة في الانتخابات جميع مرشحيها في لائحة واحدة يتم التصويت عليها في كل مراكز الاقتراع بالبلاد.
وفي تعليقه على الموضوع قال محمد ضريف لموقع يابلادي "في النظام الانتخابي الحالي، لا يمكن أن يحصل أي حزب سياسي على الأغلبية المطلقة، دائما سيكون لدينا تحالف حكومي من عدة أحزاب". وتابع "الحزب الذي يتصدر الانتخابات يجب أن يكلف بتشكيل الحكومة، ولكن الأحزاب الأخرى يمكنها رفض التحالف معه".
وعاد ليتساءل "لكن هل الأمر يتعلق بنمط الاقتراع أم بشروط تنظيم الانتخابات، غالبا الأحزاب تتحدث عن شروط الانتخابات، وتثير مسألة تدخل الدولة في الانتخابات...".
وتابع حديثه قائلا "إذن هل المشكل في نمط الاقتراع أم في الثقافة الانتخابية عند المغاربة؟ إذا كان المغاربة لا يفهمون دور الانتخابات، ويلجأ البعض إلى بيع صوته، فهناك مشكل في الثقافة الانتخابية، وعندنا مشكل في الاستراتيجية الانتخابية للأحزاب السياسية التي لا تبحث عن المثقفين والكفاءات، بل تبحث عن الأعيان".
وبحسبه فإنه يجب أن يتم تغيير النظام الانتخابي الذي لا يقتصر على نمط الاقتراع، وأوضح ضريف أن:
"المبتدئين في علم السياسة يعلمون أن نمط الاقتراع مرتبط بالأحزاب، فنمط الاقتراع الأحادي الإسمي في دورة واحدة وهو الذي كنا نعتمده قبل سنة 2002، يصلح في الدول التي فيها حزبين مسيطرين، وبإمكان كل حزب أن يحصل على الأغلبية المطلقة وتشكيل الحكومة منفردا، مثل ما هو موجود في بريطانيا. أما الدول التي فيها العديد من الأحزاب، يصلح فيها النظام المعتمد في المغرب، أي نمط الاقتراع بالتمثيل النسبي، وهو النظام الموجود مثلا في إيطاليا، التي لا يمكن فيها لحزب واحد أن يحصل على الأغلبية".
وختم ضريف كلامه قائلا "المشكل لا يوجد في نمط الاقتراع، والمسائل التقنية، وإنما يجب مراجعة الثقافة الانتخابية، والاستراتيجية الانتخابية للأحزاب السياسية، ثم الحديث بعد ذلك عن نمط الاقتراع".