خلال القرن التاسع عشر، وجد المغرب نفسه في قلب أزمة دبلوماسية بين الولايات المتحدة الأمريكية، من جهة، والكونفدرالية الغير معترف بها وفرنسا وبريطانيا العظمى من جهة ثانية، وذلك بعد أن قامت المملكة التي كانت تربطها علاقات جيدة بالولايات المتحدة باعتقال دبلوماسيين من "الولايات الكونفدرالية الأمريكية"، أثناء زيارتهما لمدينة طنجة سنة 1862.
والولايات الأمريكية الكونفدرالية أو الكونفدرالية، هو الاسم الذي اتخذته ست ولايات جنوبية من الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1861، قبل أن تعلن انسحابها من حكومة الولايات المتحدة الأمريكية التي تشكلت في عامي 1860 و1861، ما أدى إلى اندلاع الحرب الأهلية الأمريكية.
وتم القبض على الدبلوماسيين الكونفدرليين، هنري مايرز وتوماس تونستول، بأمر من القنصل الأمريكي في المغرب جيمس ديلونغ، وهو ما أغضب الدول الأوروبية الكبرى، التي اعتبرت أن المغرب تخلى عن حياده بخصوص الحرب الأهلية الأمريكية.
وأبحر الدبلوماسيان الكونفدراليان إلى طنجة على متن سفينة من مدينة قادس الساحلية الواقعة جنوب إسبانيا، من أجل زيارة أحد أصدقائهم الذي كان مريضا وقتها، ليتفاجؤوا بعدها بقرار اعتقالهما.
وكان مايرز، وسيطا لدى ضابط في البحرية الكونفدرالية خلال الحرب الأهلية الأمريكية، يدعى رفاييل سيمس، حيث أرسله في مهمة إلى قادس من أجل "تأمين حمولة من الفحم"، حسب ما أورده الكاتب ويليام مارفيل، في كتابه، "ذا ألباما أند كيرسارج: ذا سيلورز سيفيل وور"، في حين كان تونستول، ينحدر من ألباما و"أمضى خمس سنوات في منصب القنصل الأمريكي في قادس حتى استقالته سنة 1861"، مشيرا إلى أن "السلطات المغربية نفذت أمر اعتقالهما".
وقالت جيمي جونس، في مدونة المفوضية الأمريكية بمدينة طنجة، إنه تم سجن الدبلوماسيان لفترة مؤقتة، بزنزانة حديدية متواجد في القنصلية الأمريكية بالمغرب، وذلك بعد اتهامهما بـ "الإضرار بالمصالح المادية للولايات المتحدة"، على اعتبار أن المغرب لا يعترف بالكونفدرالية، وأنه يعتبر سكانها مواطنين أمريكيين.
فيما كتب متحف "ذا بريزيدنت لينكولنز كوتايج"، أن ديلونج أمر باعتقال الدبلوماسيان، بتهمة إهانة العلم الأميركي، مشيرا إلى أنهما "وقفا أمام بناية مرفوع فوقها العلم الأمريكي، وبدأوا يتهكمون على العلم بصوت عال على مسمع من العامة".
وأوضح الكاتب ويليام مارفيل أن خبر اعتقال الدبلوماسيان، أحدث ضجة بين الأوروبيين المتواجدين في المدينة، مشيرا إلى أن " ملازما متطوعا مسؤولا عن سفينة المتجر الأمريكية إينو (سفينة تحمل الإمدادات)، قام بنقل السجناء بعد تكبيلهما بسلاسل حديدية"، ليتم نقلهما بعد ذلك إلى مدينة بوسطن.
وشعر الفرنسيون والبريطانيون بعد الحادث بـ"الخيانة" من قبل الولايات المتحدة، التي علل قنصلها بالمغرب جيمس ديلونغ ما أقدم قائلا "إن المغرب والولايات المتحدة وغيرها من القوى "المسيحية" وقعوا على معاهدة تسمح للقناصل الأجانب بالنطق بالأحكام على مواطنيهم"، حسب ما كتبه مارفيل، مشيرا إلى أن تصرفات ديلونج تسببت في خروج المغرب عن حياده.
وقام بعدها أبراهام لينكون، الرئيس السادس عشر للولايات المتحدة الأمريكية، بإطلاق سراح الدبلوماسيين خوفا من خلق أزمة دبلوماسية مع الفرنسيين، كما قرر "إقالة ديلونغ من منصبه".