تم تأليف أول كتاب للنحو خاص باللغة الريفية، على يد كاهن يدعى بيدرو هيلاريون ساريوناندا، ينحدر من إقليم الباسك الواقع شمال إسبانيا، سنة 1905. وقام ساريوناندا بأولى رحلاته إلى شمال المغرب سنة 1892، وهو في سن 27 من عمره، وقصد مدينة تطوان، التي تعلم بها اللغة العربية لينتقل بعد ذلك إلى تعلم اللغة الريفية.
وعلى عكس اللغة العربية، التي كانت تستخدم في المؤسسات العامة والمدارس والجامعات القرآنية، فقد كانت اللغة الريفية تشكل جزء من التراث المغربي الشفهي فقط، ولم يتم تداولها إلا في كتب قليلة فقط، وهو الأمر الذي اندهش له الكاهن الذي تعود على تعلم القواعد النحوية من الكتب.
ورغم ذلك، فلم يشكل هذا الموضوع عقبة أمام بيدرو من أجل تعلم اللغة الريفية، بل شكل له حافزا من أجل إنشاء كتاب يتضمن القواعد النحوية للغة الريفية، وكرس الكاهن حياته لهذه المهمة الجديدة، باحتكاكه مع سكان المنطقة، ليقوم بعد ذلك بكتابة أولى محاولاته بهذه اللغة.
وفي سنة 1905 أصدرت مطبعة بطنجة اسمها Imprenta Hispano-Arabica de la Misión Católica، كتابه في النحو الريفي الذي عنونه بـ "Gramática de la Lengua Rifeña، الذي يضم أكثر من 453 صفحة من الحجم الطويل، ويعتبر من الكتب الكولونيالية الأولى التي رصدت اللغة الريفية بالدراسة والتحليل النحوي.
وتشير بعض المصادر إلى أن بيدرو ساريونانديا كلف بوضع الكتاب للتعرف على نحو اللغة الريفية ليسهل فهم الساكنة الريفية والتواصل معها قصد الاستعداد لاحتلال منطقة الريف وتطويقها اقتصاديا وسياسيا، واستغلال ثرواتها.
ودرس ساريوناندا اللغة الريفية حسب القواعد النحوية المطبقة في دراسة اللغة الإسپانية واللغات اللاتينية في أورپا، وبدأ دراستها من خلال المستوى الصوتي والصرفي والتركيبي والدلالي.
فقد درس الباحث الأبجدية الريفية وقواعدها الصوتية وتغيرات لهجاتها، وبعد ذلك انتقل لدراسة الضمائر والتذكير والتأنيث والإفراد والتثنية والجمع، ودراسة الأسماء والأفعال والحروف وأدوات الاستفهام وأدوات الربط وأسماء العدد والصفات والأسماء الموصولة وطبيعة الجمل الأمازيغية.
وأنهى فصوله الدراسية بتمارين تطبيقية، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على الطبيعة البيداغوجية والديداكتيكية لهذه الكتب النحوية.
ونتيجة حماس ورغبة بيدرو هيلاريون ساريونانديا في توسيع معرفته باللغة الأمازيغية، قام بزيارة مدينة الصويرة خلال شهر يونيو من سنة 1910 لدراسة اللغة المحلية للمنطقة، مقررا بذلك الإقدام على تحدي جديد، رغم أن كتابه تعرض لانتقادات شديدة من قبل رينيه باسيت، المؤلف الفرنسي الذي كتب "حكايات بربرية" في سنة 1887.
واستمرت رحلته إلى الصويرة إلى غاية نونبر 1912، حينما وقع المغرب معاهدة الحماية مع السلطات الفرنسية والإسبانية، ودفعه الوضع السياسي الجديد في المغرب إلى مطالبة رؤسائه بوضع حد لمهمته في المملكة، وبعد سنة من ذلك تم إرساله إلى إشبيلية حيث خطط لتكريس وقته لدراسة قواعد اللغة الأمازيغية.
لكن حلم الكاهن لم يكتمل، حيث توفي سنة 1913، في مسقط رأسه، بإقليم الباسك، بعد حادث مأساوي، عن سن ناهز 48 سنة.