اشتهرت ترجمة القرآن للغة الإنجليزية خلال القرن الثامن العاشر في الغرب، وكان البروتستانت في إنجلترا وأمريكا يهتمون بدراسة الكتاب المقدس لدى المسلمين، وقام الكثيرون بشراء نسخ مترجمة له.
ومن بين هؤلاء الرئيس الأمريكي الثالث توماس جيفرسون الذي حصل على طبعة سنة 1734 من القرآن، التي تضمنت "فصلاً تمهيدياً" من 200 صفحة يشمل نظرة عامة على العقيدة والشعائر والتشريعات الإسلامية، والتي قام بترجمتها من العربية للإنجليزية المحامي البريطاني جورج سيل، وأشار معهد سميثسونيان التعليمي الأمريكي إلى أن القرآن الكريم كان من بين 6448 كتابا يمتلكه جيفرسون.
ويعتبر جيفرسون أحد المفكرين السياسيين في العصر المبكر للجمهورية الأميركية، والمؤلف الرئيس لإعلان الاستقلال ومؤسس الحزب الجمهوري الديموقراطي، كما أنه واضع القوانين التي تحمي الحريات الدينية في الولايات المتحدة والذي طبق بدءاً من سنة 1786.
وانتشرت عدة روايات حول سبب رغبته في الحصول على نسخة مترجمة للقرآن، حيث أشار البعض إلى أن دراسته الكتاب المقدس للمسلمين، كانت بسبب رغبته في الاطلاع على معتقدات المسلمين، بسبب حربه ضد القراصنة في شمال إفريقيا.
فيما ذكر موقع "واشنطن بوست"، في يناير الماضي، أن "ترجمة جيفرسون للقرآن سنة 1734 لم تكن بسبب حبه الخالص للإسلام، بل لتعزيز الجهود التبشيرية المسيحية في بلاد المسلمين".
و تضمنت الترجمة التي قام بها المحامي الإنجليزي، مقدمة طويلة تشرح الأسباب التي كانت وراء إصدار تلك النسخة، وكتب فيها أنه قام بترجمة القرآن للعربية، من أجل مساعدة البروتستانت على فهم الكتاب من أجل محاججة المسلمين.
فيما تحدث موقع "هيستوري" بأن "المؤرخين نسبوا امتلاك الرئيس الثالث للكتاب المقدس الإسلامي إلى فضوله ورغبته في معرفة النظريات المختلفة للدين".
وذكرت سبيلبورغ، وهي كاتبة وأستاذة للتاريخ ودراسات الشرق الأوسط في جامعة تيكساس في أوستن، في كتابها، "قرآن توماس جيفرسون: الإسلام و المؤسسين"، أن جيفرسون قام بشراء نسخته من القرآن الكريم، عندما كان طالبا في العشرينيات من عمره.
وأوضحت سبيلبورغ أيضا، نقلا عن موقع "ليد ستوريز" أن "توماس جيفرسون اشترى القرآن سنة 1765، قبل 11 سنة من كتابته لإعلان الاستقلال سنة 1776، وأيضا قبل 20 سنة من نظره في مشكلة القرصنة الإسلامية في شمال إفريقيا على السفن التجارية الأمريكية".
فبحسب المؤرخة، اشترى جيفرسون الكتاب "لفهم تأثير الإسلام بشكل أفضل على بعض النظم القانونية في العالم"، بصفته كطالب شاب يدرس القانون.
وتؤمن سبيلبرغ أن جيفرسون كان ينظر للقرآن ككتاب قانون، خاصة وأن المسيحيين كانوا يتعاملون حينها مع الإمبراطورية العثمانية وشمال إفريقيا، كما أن دراسته للكتاب المقدس ساعدته على الأرجح في كتابة قانون فرجينيا للحريات الدينية، وهو بيان يتحدث عن حرية المعتقد ومبدأ الفصل بين الكنيسة والدولة.
وتشدّد المؤلفة على أن هناك قاعدة ذهبية شكلت تفكير توماس جيفرسون ورؤيته، شملت ضمنيا المسلمين، ففي عام 1776 كتب هذه الكلمات المحورية بين ملاحظاته الخاصة "لا ينبغي استثناء الوثنيين أو المسلمين أو اليهود من الحقوق المدنية للكومنولث على أساس دينهم".
أما بالنسبة لحرب جيفرسون ضد المسلمين، فقد أكدت أن الرئيس الأمريكي الثالث عامل الزعماء المسلمين ودينهم باحترام، مشيرة إلى أن "سجل تعامله مع المسلمين والقوى الإسلامية يوضح أنه تعامل مع هؤلاء الزعماء ومعتقداتهم باحترام"، مضيفة أن "مشكلته مع قراصنة شمال إفريقيا كانت اقتصادية وليست دينية".