يقوم باحث وموثق فلسطيني بعرض مجموعة من الصور التي توثق لفلسطين قبل سنة 1948 بالعديد من المدارس والمعاهد المغربية، وذلك في إطار "أسبوع مقاومة الاستعمار والابارتهايد الصهيوني"، الذي ينظمه الفرع المغربي من الحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل التي تعرف اختصارا بـ "بي دي أس"، من 2 إلى 7 أبريل الجاري.
ويهدف هذا الأسبوع إلى زيادة الوعي حول مشروع إسرائيل الاستعماري الاستيطاني التوسعي المستمر في فلسطين المحتلة، وتسليط الضوء على سياسات الفصل العنصري بحق الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده.
ويقوم خلال فعاليات هذا الأسبوع مهندس الحاسوب الفلسطيني طارق البكري، المزداد بمدينة القدس المحتلة سنة 1986، بعرض الصور التقطها بنفسه توثق للقرى الفلسطينية المهجرة بعد النكبة وإعلان قيام الدولة العبرية.
وفي حوار مع موقع يابلادي قال البكري "أطلقت مبادرة توثيق من حوالي سبع سنوات، معنية أكثر بالتوثيق البصري لفلسطين، بدت الفكرة بعد احتكاكي مع الفلسطينيين الموجودين بالشتات المحرومين من رؤية وطنهم، طبعا أنا أقيم في فلسطين المحتلة".
وتابع "أشعر أنني بمثابة عيونهم التي يرون بها البلد، ومن هنا جاءتني فكرة المبادرة التي استخدمت فيها أساليب نوعا ما مختلفة عن التوثيق التقليدي من خلال مبادرة كنا ومازلنا". وواصل:
"عندنا الكثير من المؤرخين الفلسطينيين الذين تحدثوا عن القرى المهجرة أو التاريخ الفلسطيني الحديث، ولكن كنت بحاجة لاستخدام أسلوب جديد من التوثيق، يتخلص من الإطار التقليدي الورقي، نحن اليوم بعصر مواقع التواصل الاجتماعي، وعصر التكنولوجيا والمعلومة السريعة، للأسف اليوم هناك عزوف عن الكتب والمراجع رغم أنها هي الأساس التي ينبغي العودة إليها، ولكن لكي تصل المعلومة لهذه الأجيال استخدمت أسلوب التوثيق البصري الذي يعتمد على قصص الناس وحكاياتهم لكي نسرد قصص قرى معينة، المعلومة تكون جذابة أكثر عنما تكون على شكل فيديو أو صورة".
وأوضح أنه بدأ في تحويل هذه الفكرة إلى واقع، بعدما بعث له بعض اللاجئين الفلسطينيين "صورا لبيوتهم قبل سنة 1984 بالأسود والأبيض، وأنا أعود وأصور البيت مرة أخرى من نفس الزاوية وأكتب قصة البيت".
وحول ما إذا كان قد ساعد بعد الفلسطينيين في زيارة بيوتهم التي طردوا منها قال "بشكل عام الغالبية العظمى من الفلسطينيين اللاجئين، لا توجد لهم إمكانية زيارة فلسطين، هم ممنوعون من ذلك، ولكن هناك بعض العائلات الفلسطينية التي اكتسبت جنسيات دول أخرى وتمكنت من الدخول إلى فلسطين، غير أن هذا الأمر ليس قاعدة، هناك بعض الفلسطينيين الذين لهم جنسيات أجنبية، ولكن الاحتلال يمنعهم لسبب ما من الدخول".
وتابع "هناك مجموعة من القصص لأشخاص تمكنوا من العودة إلى فلسطين، وذهبوا إلى منازلهم لأول مرة". وأضاف " هناك شخص فلسطيني كان عمره خمس سنوات سنة 1948، هُجِّر إلى لبنان وثم إلى سوريا، ولاحقا ذهب إلى الولايات المتحدة واكتسب جنسيتها، وتمكن من العودة إلى فلسطين بعد 70 سنة،(...) وبواسطة خريطة توصلت إلى معرفة مكان منزله، وذهبت معه إليه، ووجدنا عائلة إسرائيلية تسكنه".
وعن الصعوبات التي يواجهها في توثيق القرى والبيوت الفلسطينية، أكد أن "الصعوبات تمكن أحيانا في طريقة الوصول إلى مكان معين، مثلا إذا كانت توجد قرية بالقرب من مكان عسكري فلن أستطيع دخولها".
وأوضح أن هناك "قرى مسحت تماما وبني فوقها مستعمرات، وهنا لا يمكنني أن أوثق القرية الأصلية، طبعا نحن نتكلم عن أكثر من 528 قرية تم تهجيرها وتطهيرها عرقيا سنة 1948، فأنا أحاول أن أوثق ما تبقى من هذه القرى لكي يتمكن المهجرون من رؤية ما حصل في بيوتهم".
وبخصوص الصدى الذي تحدثه مبادرته ودورها في التعريف بقضية اللاجئين الفلسطينيين، قال:
"مبدئيا مبادرة كنا ومازلنا تتجه بخطين متوازيين من حيث الأهمية، أولا للفلسطيني الموجود بالشتات المحروم من فلسطين، الذي يمكنه أن يعرف ما الذي حدث لبيته وقريته، كما أن هذه المبادرة لا توثق للمنازل فقط، بل تبرز كيف أن الشعب الفلسطيني كان متحضرا، وكيف كانت الحياة قبل النكبة، الرواية الصهيونية تتحدث عن أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، والحقيقة أن فلسطين كانت بلاد عامرة، وكانت بها ثقافة وفن وصناعة وزراعة وكل أساليب الحياة.
وثانيا، المبادرة مهمة كذلك للفلسطيني الموجود بالداخل، لأن الاحتلال دائما يسعى لتغيير المعالم والأسماء والمناطق، لذلك أنا عندما أوثق تاريخ قرية أو بيت تكون، هذا الأمر يكون مهما للفلسطيني الموجود بالداخل والخارج".
وعن المساعدات التي يتلقاها من أجل إتمام عمله التوثيقي، أكد أنه حريص على أن تظل هذه المبادرة مستقلة وأنه تلقى مجموعة من العروض، لكنه يفضل أن يبقى عمله "مستقلا وتطوعيا"، وكشف أنه يحاول أن "ينشئ فريقا من الطلاب في مدينة القدس وأدربهم على أساليب البحث لكي يكونوا ضمن فريق كنا ومازلنا، ونطمح إلى تعميم الفكرة والمحافظة على استقلاليتها".
وقبل حلوله بالمغرب، أشرف البكري على إلقاء محاضرات وعرض عمله في العديد من الدول، وقال لموقع يابلادي "الأسبوع الماضي كانت لدي جولة في الكويت والأردن وأنا الآن في المغرب، وسبق لي أن كنت في إيطاليا وهولندا وألمانيا، كما أنني أزور الجامعات الأوروبية، لإلقاء محاضرات باللغة الإنجليزية طبعا، كي يفهم الجمهور ما يجري في فلسطين".
وتحدث البكري للموقع عن بعض القصص الخاصة التي صادفها، وقال "هناك العديد من القصص المؤثرة، مؤكدا أن التوثيق لا يقتصر على فلسطينيي الشتات، فمثلا سكان الضفة الغربية 40 في المائة منهم هم أصلا مهجرون سنة 1948، وبقطاع غزة أكثر من 75 في المائة من السكان هم أيضا مهجرون، وحتى فلسطينيو الداخل (داخل الخط الأخضر) مهجرون من قراهم".
وأكد أن القصة التي لازال يتذكرها تعود لسيدة ثمانينية تدعى "الأم حليمة" تقيم في مخيم الجلزون شمال رام الله، تم تهجيرها من قريتها التي تدعى بيت النبالة سنة 1948 عندما كان عمرها 15 سنة، ولم تعد إليها منذ ذلك الوقت. وواصل أنها "تسكن الآن على بعد نصف ساعة من قريتها الأصلية ولا تستطيع زيارتها بسبب الجدار والحواجز الإسرائيلية. وتابع:
"حليمة لم تر قريتها منذ 70 سنة، أخذتها إلى جانب بعض السيدات الطاعنات في السن إلى قريتهم المدمرة، ووقفنا على ما تبقى منها، وتوصلنا إلى معرفة مكان البيت، وكانت لحظة جد مؤثرة عندما قررون في لحظة معينة عدم العودة إلى المخيم بعدد انتهاء الزيارة، لأن المخيم بالنسبة لهن مجرد محطة مؤقتة".
وأضاف أنه بعد إقناعهن بضرورة العودة إلى المخيم "اكتشفت أن حليمة التي يتجاوز عمرها 85 سنة لم تر البحر في حياتها، تخيل أننا في فلسطين نمتلك أكثر من 260 كلم على البحر الأبيض المتوسط، وعندنا البحر الأحمر، وبحيرة طبريا، ومليوني فلسطيني يقيمون في الضفة الغربية ممنوعون من رؤية البحر (...) حققت لها أمنية رؤية البحر الذي يبعد عنها مسافة ساعة في السيارة".