حسب شهادات عدد من أعضاء جيش التحرير المؤسسين، خاصة ما جاء في مذكرات عبد العزيز أقضاض ولياس ميمون أوعقا، وكما أكد ذلك محمد لخواجة في كتابه "عباس المساعدي الشجرة التي تخفي غابة جيش التحرير"، فقد بدأت تتشكل في اكزناية خلايا سرية منذ 1951، وأول خلية لـجيش التحرير تأسست في زاوية الدوائر التابعة لقيادة تيزي وسلي بدائرة أكنول سنة 1951 تلتها خلايا عديدة في كل دواوير قبيلة اكزناية، وأن خلية الأطلس المتوسط تأسست في 1952 بعد عودة ميمون أوعقا لياس الى بلدته مرموشة. وشرعت هذه الخلايا تتدرب على السلاح والبحث عن مصادر التزود به.
وبهذا كان المقاومون باكزناية الذين شرعوا في تأسيس خلايا جيش التحرير السباقين إلى التنظيم، استعدادا للكفاح المسلح والعمل التحرري في كل شمال إفريقيا، وبشكل مستقل عن جميع الأحزاب السياسية التي رفضت خيار الكفاح المسلح، حسب ما ذكره محمد الخواجة.
وكان لدى العديد من أبناء منطقة اكزناية خبرة في الكفاح المسلح بشكل مباشر أو غير مباشر، فعدد من قادة ومؤسسي جيش التحرير شاركوا في معارك المقاومة بالريف خلال فترة 1921-1926 التي قادها محمد بن عبد الكريم الخطابي، ونخص بالذكر:
- عبد العزيز أقضاض: أحد القادة الميدانيين لجيش التحرير، قائد الهجوم على مركز بورد في 2 اكتوبر 1955 حارب والده في حرب الريف.
- الحسن الزكريتي: كان قائد مائة في صفوف حرب الريف، ثم تم تعيينه من طرف محمد بن عبد الكريم الخطابي كاتبا في إحدى المقرات الفرعية لقيادته.
- محمد عمر أوخطو "أمغار"(شيخ) القبيلة الذي جرح في حرب الريف وتوفي سنة 1946 كان يردد دائما أمام أبنائه أن الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي قد وعده بالعودة ليقاتلا معا المستعمر من جديد، وقد استمر على دربه أبناءه، وكان أحدهم واسمه محمد شارك كقائد فرقة في جيش التحرير.
دور علي بوطاهر أقضاض في تأسيس أول خلية لجيش التحرير بمثلث الموت
وإلى جانب رصيد الخبرات التي كانت لدى عدد من أبناء منطقة اكزناية في الكفاح المسلح، كان لعلي أقضاض دور مهم وأساسي في تأسيس خلايا جيش التحرير، ويعتبره عبد العزيز أقضاض الدوائري في مذكراته المؤسس الحقيقي لجيش التحرير في اكزناية، ويسميه بـ"رفيقي الخاص" و"نبض الثـورة " أو "دينامــو الثــــورة الجزنائية" أو "رفيقي الخاص أستاذنا العالم العلامة الثوري"...
وأكد عبد العزيز أقضاض في مذكراته في أكثر من مناسبة على دوره الريادي في تأسيس الخلايا الأولى لجيش التحرير لما امتاز به من ذكاء وقدرة على الدعاية من أجل إعلان الثورة ضد المستعمر بدراسة وتحليل وتأويل كل ما كان يحصل عليه من أخبار وأسرار بوسائله الخاصة وبمذياعه الخاص (خاصة ما كانت تبثه بعض الإذاعات كإذاعة القاهرة...) فيما يتعلق منها بالسياسة الفرنسية بالمغرب...
وأشار إلى دوره في تهييئ الناس نفسيا للمشاركة في حرب التحرير بتكراره العبارة الأتية على مسامعهم في العديد من المناسبات "إن انتفاضة تقلب صفحة الاستعمار تنتظرنا لا محالة عندما تمتد يد الاستعمار إلى تنفيذ تهديداته المتكررة المتنوعة".
ويؤكد عبد العزيز الدوائري على مكانته الراقية في نظر سكان القبيلة فقد كان فقيها يقدم دروسا في الأمور الدينية في مسجد دوار "الدوائر" بمشيخة "أولاد علي بن عيسى" بمنطقة تيزي وسلي. وكان يتكلف بالإجابة عن الرسائل التي يتوصل بها قادة جيش التحرير لثقافته الواسعة وقدرته على الزعامة في أكثر من مناسبة، ويعتبره من الشخصيات البارزة التي ضمنت النجاح الذي حققه جيش التحرير.
وكان يعتبر العمليات الفدائية الفردية التي تقع في المدن لا تلائم وضعية البادية وأن إشعال الثورة والبحث عن ضمان نجاحها واستمرارها وتعميمها بتأسيس جيش التحرير هو الحل. وقام إلى جانب الحسن بن حموش الزكريتي بتحديد شروط تفجير الثورة أثناء اللقاء الأول بجماعة تطوان في 17 يونيو 1955 بالضفة الشمالية لوادي الهرهار (الحسين برادة وأوجار محمد المانوزي المعروف بسعيد بونعيلات وابن عبد الله الوكوتي اليزناسني وامحمد أولعيز التوزاني) والمتمثلة في:
- ضمان تعميم الثورة.
- كفاية سلاح بريء من اتهام الغرب لنا بأننا نتحرك لصالح الشرق الشيوعي.
- موافقة موقف الإخوان لموقفنا من الجارة الإسبان.
كما أوصى عبد العزيز الدوائري ومرافقه عبد السلام بن حدو بعدم فتح أي نقاش معهم فيما يخص تنظيم الخلايا باكزناية قبل قبولهم لهذه الشروط.
وكان علي أقضاض (حسب مذكرات عبد العزيز أقضاض الدوائري) يقوم إلى جانب الحسن بن حموش الزكريتي باختيار الرجال والشباب الجديرين بالقيام بواجب المقاومة، من جميع دواوير قبيلة اكزناية، وبعد أدائهم للقسم يتم إرسالهم إلى جامع بني حازم فوجا بعد آخر للتدريب على يد عبد العزيز الدوائري، الذي كان ينفذ خططهم الدقيقة في تنظيم وتدريب هؤلاء المجاهدين.
كما لابد من الإشارة إلى أنه قد تكونت بقبيلة اكزناية خليتان من الوطنيين المنتسبين لحزب الاستقلال، وفق ما ذكره محمد لخواجة في كتابه "جيش التحرير المغربي 1951-1956... ومذكرات للتاريخ أم للتمويه؟!"، وشملت في البدء خلية أجدير، ثم تكونت بعدها خلية أكنول، وظل أعضاء الخليتين محط متابعة من لدن الفرنسيين. كما تعرضوا للسجن والاعتقال والنفي والمضايقات. ورغم انتمائهم الحزبي إلا أن أهالي اكزناية كانوا يكتفون بالإشارة إليهم بـ (يورا ذٌ وطني) ما معناه "فلان ينتمي الى الوطنية". وساهم أعضاء هذه الخلايا، وخاصة أعضاء خلية أجدير، منذ البداية في بناء الخلايا التي ستفضي إلى ظهور جيش التحرير...، مع قطعهم الصلة مع التنظيمات الحزبية التي حاولت التأثير في مسار الكفاح المسلح طيلة شهور الحرب التحررية (يتعلق الأمر بـ"حزب الاستقلال" و"حزب الشورى والاستقلال"، وفروع أحزاب بالمنطقة الخليفية كالإصلاح والأمة).
توسيع عباس المساعدي وقيادة الناظور لنطاق عمل خلايا جيش التحرير
فقد ذكر محمد الخواجة في كتابه "عباس المساعدي الشجرة التي تخفي غابة جيش التحرير"، أنه تم فتح مراكز جديدة بالأطلس المتوسط الشمالي وبالقبائل الشرقية بمنطقة بركان وفي الجهة الغربية لجرسيف ومسون وصاكا، فقد قام منذ أيامه الأولى في الناظور بتكثيف الاتصالات بمناطق مختلفة وبالمراكز القريبة من الحدود بين مناطق الاستعمار الفرنسي والاسباني باكزناية ومطالسة وآيت بويحيي وآيت يزناسن ومع المناطق البعيدة عن الحدود، فقد فوض الأمر لأبنائها الذي أبدوا استعدادهم للمقاومة للقيام باستمالة الأفراد النافذين في قبائلهم، وبالتنسيق معهم استطاع الاتصال بالعديد من المراكز الممتدة من نواحي جرسيف إلى أزرو وبركين.
وأشار لياس ميمون أوعقا في مذكراته متحدثا عن مراكز الأطلس المتوسط إلى أن خطة عباس المساعدي كانت "تسير في اتجاه إشعال الحرب في كل جنبات جبال بويبلان غربا وشرقا وشمالا".