قبل ساعات من انتهاء الانتداب البريطاني لأرض فلسطين، أعلن ديفيد بن غوريون عن قيام دولة إسرائيل فوق أرض فلسطين دون أن يعلن حدودها بالضبط، وسارع العرب للتنديد بالقرار، وفي المغرب أعلن السلطان محمد بن يوسف، وقوفه إلى جانب العرب والفلسطينيين، وخاطب اليهود المغاربة مطالبا إياهم بعدم إبداء التعاطف مع الصهيانة.
محمد الخامس وقيام دولة إسرائيل
ورغم أن السلطات الاستعمارية الفرنسية كانت تكبل تحركات السلطان فيما يخص العلاقات الخارجية، إلا أن ذلك لم يمنعه من التعبير عن انشغاله بما يجري في أرض أولى القبلتين وثالث الحرمين، فبعد الإعلان عن قيام إسرائيل سارع الصدر الأعظم المغربي -وهو منصب يوازي رئيس الوزراء- محمد المقري بحسب ما جاء في كلمة ألقاها مصطفى الكتيري المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير في ندوة نظمها مكتب جامعة الدول العربية بتونس سنة 2016، إلى إرسال برقية تضامن إلى الامين العام لجامعة الدول العربية باسم السلطان محمد بن يوسف، أعلن فيها تضامنه مع ملوك ورؤساء الدول العربية في حربهم ضد اسرائيل، مما أثار حفيظة المقيم العام الفرنسي الذي اعتبر تلك البرقية خرقاً لبنود معاهدة الحماية ، لاسيما فيما يتعلق باتصال سلطان المغرب بدول أجنبية من غير وساطة الإقامة العامة للحماية الفرنسية.
وعلى الصعيد الداخلي وجه السلطان سيدي محمد بن يوسف رسالة تضامنية مع الشعب الفلسطيني مما جاء فيها "إننا بما خولنا الله جلت قدرته وتعالى شأنه من النظر في أمركم والسهر على مصالحكم، نوجه إليكم هذا البلاغ لتعملوا به وتقفوا عند حده . . . منذ بضعة أيام، اشتعلت نار الحرب في أرض فلسطين المقدسة بعد أن يئس العرب من إقناع الصهيونيين بالعدول عن فكرة الاستيلاء على تلك البلاد وإخراج أهلها منها . . . ونحن إذ نعلن اتفاقنا التام فكرا وقلبا مع ملوك العرب ورؤساء دولهم الأماجد كما اشعرناهم بذلك، نؤيد ما صرحوا به من أن العرب لا يظهرون لليهود سوءا ولا ينوون بهم عداء، وإنما غايتهم الدفاع عن القبلة الأولى للإسلام وتثبيت السلم والعدل في الأراضي المقدسة مع بقاء اليهود على حالتهم المعهودة منذ الفتح الإسلامي".
وأضاف السلطان سيدي محمد بن يوسف "نأمر رعايانا اليهود أن لا ينسوا أنهم مغاربة تشملهم رعايتنا. وقد وجدوا لدينا في مختلف الظروف أحسن مدافع عن مصالحهم وموف بحقوقهم، فيجب عليهم أن لا يقوموا بأي عمل فيه تأييد للصهيونيين المعتدين أو تضامن معهم لما في ذلك من المساس بحقوقهم الخاصة وبالجنسية المغربية. ونحن على يقين من أنكم أيها المغاربة أجمعون، ستلبون نداءنا وتكونون عند حسن ظننا بكم حتى يظل الأمن العام محفوظا والسلام سائدا لهذا الوطن العزيز".
واستمر اهتمام السلطان محمد بن يوسف بالقضية الفلسطينية، ففي خطابه بمناسبة عيد العرش في 18 نونبر من سنة 1948 قال "كما نرجو للأمم العربية الشقيقة ان تنجلي عنها زوابع العدوان، النازلة بتلك البقاع المقدسة التي يسكنونها منذ قرون، ولانزال نعتقد ان الحق يثبت لذويه، ويستتب الامن والسكينة بين الناس ليسعى الكل في مصلحة الكل".
الحركة الوطنية وإعلان دولة إسرائيل
من جانبها عبرت الحركة الوطنية المغربية عن رفضها للقرار الذي اتخذته الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة في 29 نونبر1947، وهو القرار الذي يقضي بتقسيم فلسطين الى دولتين عربية ويهودية وحكم دولي خاص بالقدس.
ففي 21 دجنبر 1947، عقد المجلس الاعلى لحزب الاستقلال بزعامة علال الفاسي، بحسب ما جاء في كلمة الكتيري جلسة استثنائية للنظر في القرار، وبعد الاجتماع، اصدر الحزب بياناً موجها إلى الشعب المغربي بجميع مكوناته مسلمين ويهودا، مطالبا اياهم بوحدة الصف والتعبئة لمواجهة الفكر الصهيوني، ومما جاء فيه "... يطلب الحزب من جميع المغاربة أن يقاوموا فكرة الصهيونية ويعرقلوا أعمالها... ويوجه هذا الطلب بصفة خاصة إلى المواطنين اليهود ليتعاونوا مع إخوانهم المسلمين في هذا العمل الانساني الذي يرمي إلى الدفاع عن حقوق سكان فلسطين الأصليين من مسلمين ومسيحيين ويهود على السواء...".
كما بعث المجلس الاعلى لحزب الاستقلال برقية إلى الامين العام لهيئة الامم المتحدة، إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية، مؤيدا فيها جهودها ومساعيها الحثيثة في جميع قرارات مجلسها في سبيل الدفاع عن الارض المقدسة.
ولم يكن وقوف المغاربة مع الفلسطينيين مقتصرا على فئة دون الأخرى، ويشير الكتيري في كلمته إلى تأييد بطل ثورة الريف الذي كان يعيش في المنفى لكفاح الشعب الفلسطيني إذ قال "نؤيد كفاح الشعب العربي الفلسطيني ونتضامن معه من أجل إحقاق الحق العربي في فلسطين".
وتابع قائلا"...إن المغاربة ومنذ 25 سنة رفضوا وعد بلفور وما زالوا يساهمون في الجهاد العربي من أجل فلسطين".
كما عبر أمير الريف عن استعداده قيادة أبناء المغرب العربي للمساهمة في تحرير فلسطين وإحياء خطته التي انتهجها في حرب التحرير الريفية بين عامي 1921 و 1926. ومن الجدير بالذكر أن العديد من القياديين الفلسطينيين كانوا يترددون عليه في القاهرة للاستفادة من خبرته العسكرية في حرب العصابات الشهيرة اللصيقة باسمه وبثورته الشعبية.