شرعت الوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء بمدينة تازة، خلال شهر مارس الماضي، في بناء خزان للمياه بمحاذاة برج البستيون الذي يقع في الزاوية الجنوبية الشرقية للسور المحيط بالمدينة العتيقة، وهو ما أغضب العديد من الفاعلين الجمعويين، الذين نظموا العديد من الوقفات الاحتجاجية، واعتبروا بناء الخزان المائي تعديا في حق معلمة تاريخية يبلغ عمرها أكثر من أربعة قرون ونصف.
ورغم إصدار القائد رئيس الملحقة الإدارية الأولى بتازة بصفته ضابطا للشرطة القضائية، أمرا فوريا بإيقاف الأشغال في الخزان المائي، لعدم "احترامه المسافة القانونية على البناية الأثرية (البستيون)"، فإن الأشغال بحسب ما أكد فاعلون في المجتمع المدني المحلي لازالت مستمرة.
وتم بناء برج البستيون الذي أصبح حديث سكان مدينة تازة، من قبل السلطان السعدي أحمد المنصور الذهبي، رغبة منه في مسايرة تطور وسائل الدفاع العسكري، التي انتقلت من الأسوار والسيوف والفرسان، إلى الأبراج العالية المجهزة بالمدافع لردع المهاجمين.
ويتخذ هذا البرج التاريخي شكل مربع، ويبلغ طول ضلعه بحسب مقال لمجلة "زمان" 26 مترا وارتفاعه 20 مترا حسب مقاسات الواجهة الخارجية، ويضم هذا البرج قاعة مركزية كبيرة وصهاريج ومصطبة مدعمة بحجرتين معدتين لإقامة الجنود المكلفين بالقصف.
اللجوء إلى القضاء
وفي تصريح لموقع يابلادي قال حسن عارض رئيس الفرع المحلي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان إن هذا البرج "بقي صامدا لقرون رغم الظروف التي مر بها"، مضيفا أنه في عهد الحماية الفرنسية وبالضبط في سنة 1916، "تم تصنيفه بموجب ظهير شريف ضمن الآثار الوطنية".
وتابع أنه "في شهر مارس الماضي تفاجأنا ببناء خزان مائي من طرف الوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء بتازة بجوار برج البستيون، حيث لا يفصل بينهما سوى 80 سنتمتر". مؤكدا أن هذا القرار الذي اعتبره "جريمة في حق بناية تاريخية" دفع "المجتمع المدني إلى الاحتجاج".
وكشف عارض أن العديد من جمعيات المجتمع المدني بالمدينة أسست "تنسيقية أطلقنا عليها اسم التنسيقية الإقليمية للدفاع عن الآثار التاريخية بتازة، وقمنا بتنظيم سبع وقفات في المدينة". وإلى جانب هذه الوقفات الاحتجاجية "قمنا برفع دعوتين قضائيتين، لأن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان لديها صفة المنفعة العامة وهو ما يخولها رفع دعاوي أمام المحكمة".
وأوضح أن الدعوى الأولى "نطالب فيها بهدم الصهريج وإعادة الأمور إلى حالتها الأولى، وستعقد أولى جلساتها يوم 16 ماي، والدعوى الثانية ضد الوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء والمقاول"، وكشف أنه خلال "الأسبوع الماضي تم إنجاز محضر فيما يتعلق بهذا الملف، ونتمنى أن ينتصر القضاء لهذه القضية التي أصبحت قضية الساكنة وجميع المغاربة".
وأكد أنه "في إطار متابعة هذا الملف، سنستمر في الاحتجاج، وخلال شهر رمضان سنعمل على تنظيم ندوات علمية حول المآثر التاريخية بالمدينة".
وطالب السلطات المعنية بفتح قنوات للحوار، وقال إن "المسؤولية تتحملها مديرة الوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء، إلى جانب العامل السابق الذي أعفي من مهامه، بصفته رئيسا للمجلس الإداري للوكالة، ففي عهده تم منح إذن ببناء هذا الخزان، ولم يأخذوا بعين الاعتبار الإرث التاريخي للبلاد".
الفرنسيون كانوا أرحم
وأشار عارض إلى أنه في "عهد الحماية الفرنسية أقامت السلطات الاستعمارية معسكرا كان يطلق عليه اسم لاكروا بجانب البرج، واحترمت رمزيته ولم تمسسه".
من جانبه قال الفاعل الجمعوي محمد بلشقر في تصريح ليابلادي إن الفرنسيين "رغم أنهم كانوا قوة استعمارية إلا أنهم كانوا أرحم وحافظوا على برج البستيون". وتابع "هذا حصن تاريخي ولم يرمم لحد الآن رغم وجود ظهير يصنفه كتراث وطني، مع الأسف هذا الإهمال لا نعلم الأيادي الخفية وراءه".
واعتبر بناء الخزان المائي قرب برج البستيون 'إجرام في حق معلمة تاريخية، وتحد سافر للساكنة" موجها "المسؤولية لوزارة الثقافة، والسلطات المحلية".
وقال إن "وزارة الثقافة بعثت لجنة إلى المدينة، وقامت بتسجيل الخروقات، لكننا لم نر لحد الآن نتائج هذه الزيارة، الأشغال لازالت مستمرة بجانب البرج".
وأكد بلشقر أنهم سيستمرون في الاحتجاج، وقال "لدينا برنامج نضالي مسطر، وسنعمل على رد الاعتبار لمدينة تازة بصفة عامة وآثارها بصفة خاصة وعلى رأسها معلمة البستيون، كما سنستمر في المطالبة بمعاقبة المتواطئين في هذه الجريمة الشنعاء"، وختم حديثه للموقع قائلا "هذا تاريخ لا يمكن أن يمحى بصندوق إسمنتي، هذا إرث لجميع المغاربة".
بدوره عبر الطالب الباحث في التاريخ، طارق عوجة، عن أسفه لمحاولة "طمس" هذه المعلمة التاريخية، التي "تظل شاهدة على فترات مديدة من التاريخ المغربي"، مؤكدا أن "هذه المعلمة التي استطاعت أن تحاصر المد العثماني الآتي من المشرق، تشهد اليوم تهميشا كبيرا"، هذا التهميش الذي يطرح بحسبه أكثر من علامة استفهام.
واعتبر بناء هذا الخزان المائي بجانب برج البستوين "تحديا من قبل الوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء للساكنة ولتاريخ المدينة".
وتابع أن "السؤال الذي يطرح نفسه بقوة والذي دفعني إلى الكلام هو لماذا هذا التهميش والحكرة والتقصير تجاه هذه المدينة ومعالمها الأثرية".
وختم حديثه قائلا "من هو المسؤول عن هذه الفضيحة التي أصابت المدينة برمتها، وما الغاية من بناء هذا الخزان في ذلك المكان، نتمنى أن يعود المسؤولون إلى رشدهم وأن يتم إرجاع الأمور إلى نصابها".