لم يكن المغرب ملجأ للمشاهير والنجوم والفنانين فحسب، بل كان أيضا مقصدا للثوار والسياسيين الذين طبعوا المشهد السياسي الدولي في نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات.
في هذا المقال سنتحدث عن ثلاث شخصيات، تركت بصمتها في بلدانها والعالم ككل، أولهم زعيم حرب العصابات الأرجنتيني تشي غيفارا، والسياسي الكوبي الشيوعي الثوري فيدل كاسترو، ورئيس جنوب أفريقيا المناهض لنظام الفصل العنصري نيلسون مانديلا.
تشي غيفارا في ضيافة عبد الله إبراهيم
في يناير من سنة 1959 توجه الثائر الأرجنتيني الأصل تشي غيفارا إلى مصر، والتقى هناك زعيم المقاومة الريفية في المغرب عبد الكريم الخطابي الذي كان يعيش في منفاه بالقاهرة.
خلال اللقاء الذي دام لساعات تبادل فيه الخطابي وغيفارا الحديث باللغة الاسبانية، وقال هذا الأخير مخاطبا زعيم المقاومة الريفية في سنوات العشرينات "أيها الأمير لقد أتيت إلى القاهرة خصيصاً لكي أتعلم منك".
وحضر الاجتماع الذي أقيم في مقر السفارة المغربية في القاهرة، الوزير الأول المغربي آنذاك عبد الله ابراهيم، الذي طلب من غيفارا الذي كان يشغل آنذاك منصب وزير المالية ورئيس البنك المركزي الكوبي، زيارة المغرب.
ويحكي عبد اللطيف حسني الذي كان بمثابة اليد اليمنى لعبد الله ابراهيم، بحسب ما نشرت مجلة زمان، أن غيفارا قدم إلى المغرب بعد ثمانية أشهر من زيارته إلى القاهرة، لكن كان الوزير الأول المغربي آخر شخص يعلم بهذه الزيارة.
ويقول عبد الله ابراهيم في مذكراته التي كتبها محمد لومة إنه فوجئ بإبلاغه "بأن غيفارا موجود في أحد فنادق الرباط قرب محطة القطارات، تحت حراسة أمنية مشددة، بتعليمات من محمد الغزاوي، المدير العام للأمن الوطني، ولدى اتصالي بهذا الأخير مستفسرا عن أسباب هذا الاحتجاز، أجابني بأنه ينفذ بذلك تعليمات (سميت سيدي) ولي العهد".
هذا الأمر أثار غضب عبد الله إبراهيم الذي خاطب مدير الأمن، محمد الغزاوي قائلا، " قلت له بأن تصرفه لا يمكن قبوله، ذلك أن زيارة غيفارا للمغرب جاءت بدعوة رسمية مني، وبالتالي، فإن اعتقاله أو الترحيب به مسألة تتعلق برئيس الوزراء دون سواه".
قضى إرنيستو تشي غيفارا يومين داخل الفندق قبل أن يقدم عبد الله إبراهيم بنفسه لإخراجه منه، حيث قال هذا الأخير "لم أغادر الفندق حتى أنجزت التدابير الخاصة بالإفراج عن غيفارا ورفاقه الأربعة من كبار موظفي الدولة الكوبية الوليدة، وكانوا يبدون بقاماتهم الفارغة ولحاهم الكثة ولباسهم الكاكي الخالي من الرتب العسكرية...كانوا يبدون بأجسام قوية حديثة العهد بحرب العصابات".
بعد ذلك خصصت للوفد الكوبي سيارة قادتهم إلى فيلا بحي السوسي، ويقول عبد الله ابراهيم "حرصت على أن يوجهوا في موكب رسمي مخفوف بالدراجات النارية نحو إحدى الإقامات الرسمية للدولة في حي السوسي في الرباط".
وحاول عبد الله ابراهيم الاعتذار بطريقته لضيفه وقام بترتيب زيارة له إلى مراكش، قصد الاستجمام "في مسمى مني لمحو اثار الاحتجاز المأسوف المذكور انفا، قمت بنقل الوفد على مدينة مراكش، حيث خيرتهم ما بين الإقامة بأحد الفنادق الكبرى، أو الإقامة في أحد إقامات الدولية في حي المواسين الشعبي، فاختاروا الأخيرة يبقوا في مقربة من الشارع المراكشي".
كاسترو والإفطار
تطرق الملك الراحل الحسن الثاني في كتابه "ذاكرة ملك" لجذور الخلافات بين كوبا والمغرب، منذ فترة الستينات بسبب انتماء البلدين إلى معسكرين متعارضين، هما المعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفياتي والمعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
وذكر الحسن الثاني أن لقاءا ثنائيا جمعه بالزعيم الكوبي الراحل فيديل كاسترو في شهر أبريل من سنة 1963 بالرباط خلال توقف كاسترو في مطار "الرباط ـ سلا"، في رحلته بين هافانا وموسكو، حيث كانت الخطوط الجوية السوفياتية التي تؤمن الرحلات بين موسكو وهافانا تتوقف بالرباط.
وقال الملك في كتابه إن اللقاء الذي جمعه مع كاسترو تم برغبة من هذا الأخير، واستغرقه النقاش الآيديولوجي وأنهما تناولا وجبة الفطور معا. ووصف الملك الراحل كاسترو بأنه كان "رجلا مصمما على عدم الاقتناع الا برأيه رأيه، صاماً أذنيه عن كل المحاولات"، ولاحظ الملك الراحل قائلا "وأعتقد انه ذهب بعيدا في تعهداته، وكان يدرك أن الإخلال بالالتزامات يكون أحيانا أكثر أذى من مجرد التمسك بخيار معين".
لكن وبعد بضعة أشهر من هذا اللقاء، اندلعت حرب الرمال بين المغرب والجزائر، وقرر الرئيس الكوبي الوقوف إلى جانب الجزائر معلنا عداوته الصريحة لنظام الحسن الثاني، فمع تسجيل تفوق على الأرض للجيش المغربي سارع الرئيس الجزائري الحالي عبد العزيز بوتفليقة الذي كان آنذاك وزيرا للخارجية، إلى طلب المساعدة من سفارة كوبا في الجزائر، وهو ما استجاب له كاسترو ووافق على تقديم مساعدات عسكرية للجيش الجزائري.
ولم يكن تشي غيفارا آخر مسؤول كوبي و ثوري يزور المغرب، اذ في عام 1963 فيدل اليخاندرو كاسترو روز، الذي حكم جمهورية كوبا رئيسا للوزراء من 1959 إلى 1976 ثم رئيسا من 1976 إلى 2008، حضروا الى مدينة الرباط.
مانديلا في وجدة
بدوره كان نيلسون مانديلا من بين السياسيين الذين جاءوا إلى المغرب خلال نفس الفترة. وقد تحدث صموئيل ويلارد كرومبتون في كتابه "إنهاء الفصل العنصري في جنوب أفريقيا" عن رحلة مانديلا إلى شمال أفريقيا، حيث كتب في عام "1961، قام مانديلا بجولة في العديد من الدول الأفريقية والأوروبية، وزار الجزائر والمغرب، هناك تعلم كيفية اطلاق النار بالبندقية".
ففي شهر مارس من سنة 1961، وطأت أقدام مانديلا المغرب لأول مرة، وكانت المملكة آنذاك تشكل قبلة لحركات المقاومة ورموز التحرر في إفريقيا، وكان الملك محمد الخامس وأسماء مثل علال الفاسي والمهدي بن بركة وعبد الخالق الطريس معروفة وسط حركات التحرر العالمية.
ووجد مانديلا في استقباله الدكتور عبد الكريم الخطيب، الذي كان يشغل منصب وزير دولة مكلف بالشؤون الإفريقية، وطلب المناضل الجنوب إفريقي المغرب بدعمه ماليا وتدريب مقاتلي حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، وهو ما استجابت له المملكة.
كان زعيم حزب المؤتمر الوطني الإفريقي يخطط للتقارب مع أطر وقيادات جبهة التحرير الوطني الجزائري التي كانت تقود ثورة ضد المستعمر الفرنسي، ولعب الدكتور الخطيب دورا بارزا في لقاء مانديلا بقادة الثورة الجزائرية في مدينة وجدة، ومنهم الهواري بومدين وأحمد بن بلة ومحمد بوضياف...
وزار نيلسون مانديلا وحدات قتالية من جيش التحرير الجزائري التي كانت ترابط في مدينة وجدة، التي كانت تعتبر قاعدة خلفية لجيش التحرير الجزائري، ومنها يتم تهريب السلاح إلى الثوار في داخل الجزائر.
وكتب نيلسون مانديلا في مذكراته التي كتبها بعنوان "الدرب الطويل نحو الحرية" أن ممثل الحكومة الجزائرية المؤقتة في المغرب الدكتور شوقي مصطفاي، "نصحنا بأن لا نهمل الجانب السياسي للحرب مع تنظيم القوات العسكرية، خاصة وأن أهمية وقوة الرأي العام الدولي تفوق أحيانا قوة أسطول من الطائرات الحربية".