القائمة

أرشيف

تاريخ الشيعة في المغرب [3/4]: الشيعة البجلية..عندما أنهى المرابطون التواجد الشيعي في المغرب

مع نقل الدولة الفاطمية مقر حكمها من شمال إفريقيا إلى مصر، تراجع التواجد الشيعي في المغرب واستطاع المرابطون تأسيس دولتهم المستقلة التي ضمت مناطق واسعة من شمال إفريقيا والأندلس والصحراء الكبرى، وتمكن الحكام الجدد للبلاد من القضاء على آخر إمارة شيعية في المغرب كان يطلق عليها اسم "البجلية".

نشر
DR
مدة القراءة: 8'

توجه الفاطميون بعدما استتب لهم الأمر في بلاد كتامة بالمغرب إلى إفريقية (تونس الحالية) وتمكنوا من القضاء على دولة الأغالبة التي كانت توالي دولة الخلافة العباسية في المشرق العربي، ورغم تفوقهم العسكري إلا أنهم اصطدموا برفض كبير لمذهبهم من قبل رجال الدين والسكان.

سوس..أرض خصبة

نشب صراع بين دعاة عبيد الله المهدي وبين العامة، بسبب ما بدأوا يدعون إليه وينشرونه، حتى اضطر عبيد الله (زعيم الفاطميين) إلى كفهم عن دعوة العامة إلى التشيع، تسكينا للوضع، بحسب ما جاء في كتاب "مرحلة التشيع في المغرب العربي واثرها في الحياة الادبية" لصاحبه محمد طه الحاجري.

ويصف القاضي عياض الوضع السائد آنذاك في كتابه "ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك"، بقوله "كان أهل السنة بالقيروان أيام بني عبيد، في حالة شديدة من الاهتضام والتستر كأنهم ذمة. تجري عليهم في كثرة الأيام محن شديدة. ولما أظهر بنو عبيد أمرهم، ونصبوا حسيناً الأعمى السبّاب لعنه الله تعالى، في الأسواق، للسب بأسجاعٍ لُقِّنها يوصل منها إلى سب النبي صلى الله عليه وسلم، في ألفاظ حفظها كقوله لعنه الله عليه: العنوا الغار وما وعى، والكساء وما حوى وغير ذلك وعلقت رؤوس الأكباش والحمر، على أبواب الحوانيت، عليها قراطيس معلقة، مكتوب فيها أسماء الصحابة. اشتد الأمر على أهل السنة فمن تكلم أو تحرك قتل، ومثّل به".

وأمام هذا الوضع قرر الحسن بن علي بن ورصند البجلي وكان من بين رجال الدين الذين اعتمد عليهم الفاطميون في بداياتهم الأولى لنشر المذهب الشيعي الإسماعلي وإقناع الناس بالقتال في صفهم، (قرر) التوجه إلى منطقة سوس في المغرب في القرن الثالث الهجري، وهي المنطقة التي رأى فيها أرضا خصبة لنشر المذهب الإسماعيلي عكس ما كان عليه الأمر في بلاد إفريقية.

ويصف الدكتور عبد المجيد النجار الأوضاع في منطقة سوس في تلك الفترة في كتابه "المهدي بن تومرت: حياته وآراؤه وثورته الفكرية والاجتماعية وأثره بالمغرب" قائلا "وقد عرفت قبائل منطقة سوس بشدة البأس وقوة الشكيمة مع عصبية مستحكمة، وذكر ابن حوقل (رحالة مشرقي) أنه يغلب عليهم الجفاء والغلظة في العشرة وقلة الطبع. وقد كان من صفات أهل السوس التطلع إلى عالم من المخفيات والمغيبات، يفسرون على أساسه كثيرا من الظواهر المادية لحياتهم والأحداث التي تجري بينهم وقد عرفوا لذلك بتعاطيهم للعرافة والتنجيم، وادعائهم التصرف في القوى الخفية والقدرة على كشف الكنوز".

ويتابع عبد المجيد النجار أنه "لم تكن بمنطقة السوس في القرن الخامس (الهجري) وما قبله مراكز علمية مرموقة تشع على أهل المنطقة وتوطن فيهم فكرا دينيا عميقا. وخلو هذه المنطقة من حركة علمية عميقة ونشيطة، جعل أهلها يتصوفون عامة بشيء من البساطة والسطحية في الفهم الديني أصولا وفروعا".

ونظرا لذلك تمكن الحسن بن علي بن ورصند البجلي من نشر المذهب الشيعي الإسماعلي في منطقة سوس، وقال ابن حزم في كتابه الفصل في الملل والأهواء والنحل أثناء حديثه عن طوائف الشيعة "ومنهم طائفة تسمى النحلية نسبوا إلى الحسن بن علي بن ورصند كان من أهل نفطة من عمل قفصة وقسطيلية من كور افريقية ثم نهض هذا الكافر الى السوس في أقاصي بلاد المصامدة فأضلهم وأضل أمير السوس احمد بن ادريس بن يحيى ابن عبد الله بن الحسين بن الحسن بن علي بن أبي طالب فهم هنالك كثير سكان في ربض مدينة السوس معلنون بكفرهم وصلاتهم خلاف صلاة المسلمين لا يأكلون شيئا من الثمار زبل أصله ويقولون إن الإمامة في ولد الحسن دون ولد الحسين ومنهم أصحاب أبي كامل ومن قولهم أن جميع الصحابة رضي الله عنهم كفروا بعد موت النبي صلى الله عليه و سلم اذ جحدوا إمامة علي، وأن عليا كفر اذا سلم الأمر الى أبي بكر، ثم عمر بن الخطاب، وعثمان، ثم قال جمهورهم إن عليا ومن اتبعه رجعوا الى الاسلام إذ دعى الى نفسه بعد قتل عثمان وإذ كشف وجهه وسل سيفه وأنه وإياهم كانوا قبل ذلك مرتدين عن الاسلام كفارا مشركين ومنهم من يرد الذنب في ذلك إلى النبي صلى الله عليه و سلم اذ لم يبين الامر بيانا رافعا للإشكال".

صلاتان في مسجد واحد

ويصف عبد المجيد النجار الوضع في سوس بعد انتشار المذهب الشيعي قائلا في كتابه "المهدي بن تومرت" إن هذه المنطقة لم تخل من الصراع المذهبي، "حيث عرفت المذهب الشيعي إلى جانب المذهب المالكي فقها، ويرجع وجود الشيعة بها إلى منتصف القرن الثالث، ثم تكاثروا حتى قال في وصفهم ابن حوقل ومن بالسوس ونواحي درعة شيعة".

ويضيف قائلا "وقد دام الوجود الشيعي بالمنطقة مدة قرنين من الزمن لم تكن العلاقة فيها بين الشيعة والسنة والمالكية علاقة تقارب وموادعة، بل كانت علاقة ترافض وتدابر وتوتر متصل، ذكاها ذلك الطبع الحاد الذي يتصف به أهل السوس".

وزاد أنه كان بالمنطقة فرقتان "أصحاب ابن ورصند والغالب عليهم جفاء الطبع وعدم الرقة، والفرقة الأخرى مالكية حشوية، وبينهما القتال الدائر، وكل فرقة تصلي في الجامع منفردة بعد صلاة الأخرى".

وفي حوار أجراه محمد المغراوي أستاذ التعليم العالي بكلية الآداب بالرباط، مع جريدة الاتحاد الاشتراكي في 17 ماي 2014 قال "يذكر الرحالة العراقي ابن حوقل الذي زار المغرب في حدود سنة 350 هجرية أن الصلاة كانت تقام مرتين بمسجد تارودانت، حيث يقيم المالكية صلاتهم، ثم يفسحون المجال للشيعة، وأشار أيضا إلى أن الحروب والصراعات بينهم كانت مستمرة".

المرابطون والقضاء على التواجد الشيعي بالمغرب

بعد مرور ما يقارب القرنين على التواجد الشيعي في منطقة سوس، بدأت حركة دعوية إصلاحية إسلامية مبنية على اعتقاد مالكي سني، تتقوى جنوبا في الصحراء وأطلقت الحركة على نفسها اسم "دولة الرباط والإصلاح".

وتحولت الحركة إلى دولة ذات شأن كبير في المنطقة أطلق عليها اسم "المرابطين" وقرر مؤسسها عبد الله بن ياسين، الاتجاه شمالا لنشر دعوته الإصلاحية بين قبائل المغرب الأقصى، بعدما رأى الانحرافات العقدية والسلوكية التي ظهرت بين القبائل بسبب ضعف سيطرة الدولة العباسية.

وأعد جيشا من آلاف المتطوعين لإعادة توحيد بلاد المغرب، ومحاربة ما كان يراه شركا وضلالا استشرى بين الأمازيع.

يقول علي ابن أبي زرع الفاسي في كتابه "الأنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار ملوك المغرب وتاريخ مدينة فاس" انه "لما توفي يحيى بن عمر قدم عبد الله بن ياسين عوضا منه أخاه أبا بكر بن عمر وقلده أمر الحرب، فندب المرابطين إلى غزو بلاد المصامدة وبلاد السوس، فخرج إليها في جيوش عظيمة وذلك في شهر ربيع الثاني من سنة ثمان وأربعين وأربعمئة، (هجرية) وكان الأمير أبو بكر رجلا صالحا متورعا، فجعل على مقدمته ابن عمه يوسف بن تاشفين اللمتوني، ثم سار حتى وصل بلاد السوس، فغزا بلاد جزولة، وفتح مدينة ماسة، ومدينة رودانة وجميع بلاد السوس".

ويضيف "وكان برودانة قوم من الروافض يقال لهم البجلية منسوبين إلى عبد الله البجلي الرافضي، كان قد قدم إلى السوس حين قدم عبيد الله الشيعي إلى إفريقية، فأشاع هناك مذهبه، فورثه بعده جيلا بعد جيل وقرنا بعد قرن لا يرون الحق إلا ما في أيديهم، فقاتلهم الأمير أبو بكر بن عمر وعبد الله بن ياسين حتى فتح مدينتهم عنوة، وقتل بها من الروافض خلق كثير، فرجع من بقي منهم إلى السنة وأخذ أموال من قتل منهم فجعلها فيئا للمرابطين، وأظهر الله المرابطين وأعلى كلمتهم، ففتحوا معاقل بلاد السوس، وأطاعتهم جميع قبائلها فأخرج عبد الله بن ياسين عماله على نواجيها، وأمرهم بإقامة العدل وإظهار السنة فيها وألزمهم إعطاء الزكاة والعشر".

ويتطرق كتاب "الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى" لصاحبه أحمد بن خالد الناصري لغزو المرابطين لبلاد سوس ويقول "لما توفي الأمير يحيى بن عمر اللمتوني ولى عبد الله بن ياسين مكانه أخاه أبا بكر بن عمر وذلك في محرم سنة ثمان وأربعين وأربعمائة (هجرية) وقلده أمر الحرب والجهاد ثم ندب المرابطين إلى غزو بلاد السوس والمصامدة فزحف إليها في جيش عظيم في ربيع الثاني من السنة المذكورة".

وتابع "وكان أبو بكر بن عمر رجلا صالحا ورعا فجعل على مقدمته ابن عمه يوسف بن تاشفين اللمتوني ثم سار حتى انتهى إلى بلاد السوس فغزا جزولة من قبائلها وفتح مدينة ماسة وتارودانت قاعدة بلاد السوس وكان بها قوم من الرافضة يقال لهم البجلية نسبة إلى علي بن عبد الله البجلي الرافضي كان سقط إلى بلاد السوس أيام قيام عبيد الله الشيعي بإفريقية فأشاع هنالك مذهب الرافضة فتوارثوه عنه جيلا بعد جيل وعضوا عليه فكانوا لا يرون الحق إلا ما في يدهم فقاتلهم عبد الله بن ياسين وأبو بكر بن عمر حتى فتحوا مدينة تارودانت عنوة وقتلوا بها خلقا كثيرا ورجع من بقي منهم إلى مذهب السنة والجماعة".

كما تطرق عبد الله علي العلام في كتابه "الدولة الموحدية بالمغرب: في عهد عبد المؤمن بن علي" لنهاية التواجد الشيعي في المغرب على يد المرابطين وقال "وقد كان الزوال النهائي لهذه الدولة (البجلية) من إفريقية في القرن الخامس مؤذنا بانقشاع كل وجود شيعي ذي بال بالمغرب".

عادات متوارثة

لكن ورغم نجاح المرابطين في القضاء على التواجد الشيعي في المغرب، إلا أن أتباع هذا المذهب تمكنوا من ترك بصمتهم في المغرب الأقصى، وهي البصمة التي لا زالت حاضرة لحد الآن ممثلة انتشار تسميات مثل فاطمة الزهراء وعلي والحسن والحسين وزينب وإدريس بشكل كبير، إضافة إلى بعض الطقوس التي يقوم بها المغاربة في بعض المناطق احتفالا بعاشوراء مثل التصدق بالماء للتذكير بمنع الماء عن الإمام الحسين بعد محاصرته من طرف جيش الأمويين، وإشعال النيران والقفز عليها كنوع من استدعاء مشهد الحرب التي قتل فيها الإمام الحسين ومن معه.

من احتفالات المغاربة بعاشوراء

وتحدث المستشار الملكي السابق الدكتور عباس الجراري في كتاب له بعنوان "عاشوراء عند المغاربة"، عن بعض مظاهر الاحتفالات ذات الأصل الشيعي في المجتمع المغربي كطقوس الزيارة لأضرحة المولى إدريس الأكبر والأزهر، وغيرهما من الأولياء الأشراف، وكذا تسميتهم لقوس قزح بحزام للا فاطمة الزهراء.

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال