انطلقت الدولة الفاطمية من المغرب، وتمكنت من ضم مساحات واسعة من العالم الإسلامي حتى وصلت إلى الشام والحجاز، وبعدما استتب لها الأمر نقلت مقر حكمها من المغرب إلى مصر.
والدولة الفاطمية هي الوحيدة بين دول الخلافة الإسلامية التي تعاقبت على حكم المسلمين، التي اتخذت من المذهب الشيعي الإسماعيلي مذهبا رسميا لها.
نشأة الدولة الفاطمية
يعتقد معتنقو المذهب الشيعي بأن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، نص قبل وفاته على خلافته من قبل 12 عشر إماما. وبعد وفاة الإمام جعفر الصادق سنة 148 للهجرة، والذي يعتبر خامس أئمة الشيعة، انقسم الشيعة إلى قسمين، طائفة تقول بأن جعفر الصادق ساق الإمامة إلى موسى بن جعفر الصادق، وهو المعروف بالكاظم، وهي الطائفة التي يطلق عليها اسم الموسوية، والإمامية، والاثنا عشرية (المذهب الأكثر انتشارا بين الشيعة اليوم وهو المذهب المعتمد في إيران)، وطائفة أخرى تقول بأن جعفر الصادق ساق الإمامة قبل وفاته إلى أكبر أبنائه اسماعيل فسموا بالإسماعلية، وهي الطائفة التي ينتمي إليها مؤسسو الدولة الفاطمية.
وسميت الدولة الفاطمية بهذا الإسم، في رغبة من مؤسسها في الدلالة على نسبهم إلى ذرية علي بن أبي طالب رابع الخلفاء الراشدين، وأول الأئمة عنذ الشيعة، وزوجته فاطمة الزهراء بنت الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، أي أنهم علويون.
لكن قضية نسب الأسرة الفاطمية، كان ولا يزال موضوعا لم يتفق المؤرخون، لا في الماضي ولا في الحاضر، على رأيٍ واحدٍ فيه.
ويرجع الفضل في قيام الدولة الفاطمية في المغرب إلى داعيين كبيرين واسمهما الحلواني وأبو سفيان، بعثهما أبو جعفر الصادق، ووطآ لقدوم عبيد الله المهدي، الذي كان أول ملوك الدولة الفاطمية.
ولما توفي الداعيين بأرض كتامة بالمغرب، بحسب ما جاء في كتاب "اتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء" لمؤلفه تقي الدين المقريزي، ورد خبر وفاتهما إلى رستم بن الحسن بن ذاذان، وكان من شيعة اليمن، فأرسل أبا عبد الله الشيعي إلى المغرب، وقال له "إن أرض المغرب قد حرثها الحلواني وأبو سفيان، وقد ماتا وليس لها غيرك، فبادر فإنها موطأة ممهدة لك".
وتوجه أبا عبد الله الشيعي إلى المغرب وبالضبط إلى منطقة كتامة سنة 288 للهجرة، وبدأ ينشر مذهبه، وتمكن من توحيد العديد من القبائل تحت قيادته، وبعد ذلك أحس الأغالبة الذين كانوا يبسطون سيطرتهم على إفريقية (تونس الحالية) ويوالون الخلافة العباسية، بالخطر وجهزوا جيشا للقضاء على أبا عبد الله الشيعي، واشتبكوا معه في سنة 290 هجرية، لكن هذه المعركة شكلت بداية النهاية لحكم الأغالبة والعباسيين في المنطقة.
وبعد أن استقرت الأوضاع لأبي عبد الله الشيعي، أرسل إلى عبيد الله بن محمد بن حبيب الذي كان يدعي بأنه هو المهدي والذي كان يقيم بأرض حمص بالشام، رجالا يخبرونه بما فتح الله عليهم، وأن الأرض موطأة لقدومه.
وأثناء قدومه إلى المغرب استطاع عبيد الله المهدي أن يتخفى طيلة الطريق في زي تاجر، ولكنه وقع في أسر دولة بنو مدرار الأمازيغية التي كانت تتخذ من مدينة سجلماسة عاصمة لها بعد أن انكشف أمره، وحين علم عبد الله الشيعي بخبر سجنه عزم على السير بقواته لتخليصه من السجن، فاستخلف أخاه "أبا العباس" واتجه إلى سجلماسة، ولما بلغها حاصرها حتى سقطت في يده، وأخرج عبيد الله المهدي من السجن، وسلمه مقاليد الحكم.
وبعد ذلك بدأت العلاقة بين أبي عبد الله الشيعي وعبيد الله المهدي تسوء، لاستبداده بالأمر دونه، فقرر المهدي بعد ذلك قتل الرجل الذي وضعه على كرسي الحكم، فتم قتل أبي عبد الله الشيعي ومجموعة من المقربين منه، سنة 298. بحسب ما يحكي ابن خلدون في كتاب "تاريخ ابن خلدون".
بعد ذلك ازدادت طموحات عبيد الله في إخضاع المغرب كله لسلطته وتمكن من القضاء على نفوذ الأدارسة سنة 312 هـ .
كيف واجه المغاربة انتشار المذهب الشيعي؟
وبدأ عبيد الله بعد ذلك ينشر التشيع بالبلاد، وأمر يوم الجمعة بحسب ما جاء في كتاب "اتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء" بأن "يذكر اسمه في الخطبة، ويلقب بالمهدي أمير المؤمنين في جميع البلاد، فلما كان بعد صلاة الجمعة جلس رجل يعرف بالشريف ومعه الدعاة، وأحضروا الناس، ودعوهم إلى مذهبهم، وقتل من لم يوافق".
وجابه العلماء في مختلف المناطق التي سيطر عليها الفاطميون المذهب الجديد، وأعلنوا رفضهم له، ونشب صراع بين دعاة عبيد الله المهدي وبين العامة، بسبب ما بدأوا يدعون إليه وينشرونه، حتى اضطر عبيد الله إلى كفهم عن دعوة العامة إلى التشيع، تسكينا للوضع، بحسب ما جاء في كتاب "مرحلة التشيع في المغرب العربي واثرها في الحياة الادبية" لصاحبه محمد طه الحاجري.
وبعد ذلك بدأ عبيد الله يحاول استقطاب العلماء واستمالتهم، فكان يدعوهم إلى مجالسته ومناظرته، حيث جاء في كتاب "طبقات علماء إفريقية"، لمؤلفه محمد بن أحمد بن تميم التميمي، أن المناظرات بين أبي العباس أخي عبيد الله وبين الشيخ سعيد بن محمد بن الحديد، اشتهرت بين العامة "وكان يغلبه بالحق، ويظهر عليه، حتى اشتهر بذلك، وحتى قال له ابنه: اتق الله في نفسك ولا تبالغ في مناظرة الرجل،فقال له حسبي من له غضبت وعن دينه ذببت".
ويصف القاضي عياض الوضع السائد آنذاك في كتابه "ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك"، بقوله "كان أهل السنة بالقيروان أيام بني عبيد، في حالة شديدة من الاهتضام والتستر. كأنهم ذمة. تجري عليهم في كثرة الأيام محن شديدة. ولما أظهر بنو عبيد أمرهم، ونصبوا حسيناً الأعمى السبّاب لعنه الله تعالى، في الأسواق، للسب بأسجاعٍ لُقِّنها. يوصل منها إلى سب النبي صلى الله عليه وسلم، في ألفاظ حفظها. كقوله لعنه الله: العنوا الغار وما وعى، والكساء وما حوى. وغير ذلك. وعلقت رؤوس الأكباش والحمر، على أبواب الحوانيت، عليها قراطيس معلقة، مكتوب فيها أسماء الصحابة. اشتد الأمر على أهل السنة. فمن تكلم أو تحرك قتل، ومثّل به".
وتوفي عبيد الله المهدي سنة 322هـ وخلفه ابنه أبي القاسم الذي لقّب بأمر الله، ونشبت في عصره عدة ثورات أشهرها ثورة أبو يزيد كيدار الذي دعا للخروج عن الخلافة الفاطمية، ثم توفي أبي القاسم في 333هـ وجاء ابنه إسماعيل الذي لقب بالمنصور واستطاع أن يقضي على ثورة أبو يزيد وقتله، وقام ببناء مدينة المنصورية (في تونس) واتخذها مركزاً له.
توفّي المنصور في 341هـ وخلفه ابنه المعز الذي سعى إلى محاربة الثورات القائمة ضد الوجود الفاطمي، فأرسل جيشه إلى المغرب الأقصى وفتح جميع مدنه باستثناء سبتة وطنجة، إلا أن حالة من الفوضى والاضطراب بدأت تضرب المغرب فتجددت الثورات ضد الفاطميين.
فقرر المعز أن يتجه شرقا وأرسل جيشه للاستيلاء على مصر وإزاحة العباسيين، وكان له ما أراد ونقا خلافته إلى مصر وأسس مدينة القاهرة واتخذها عاصمة له، حيث لم يكن يرى المغرب المكان المناسب لاستقرار الدولة الفاطمية.