القائمة

الرأي

المشكل أكبر من تشكيل الحكومة ..

المشكل في مغرب اليوم ليس في تشكيل الحكومة ، فأكيد أن باتخاده القرار باستقبال جميع الأحزاب يكون الدكتور سعد الدين العثماني قد قطع مسافة معتبرة في طريق تأسيس الحكومة . ذلك أن من بين الأسباب العديدة التي عقدت المشاورات على السيد عبد الإله بنكيران ، وضعه الخطوط الخضر والحمر في تعامله مع الأحزاب مما أدى منذ اللحظة الأولى لانطلاق المشاورات إلى تقليص هامش المناورة لديه بل أصبح رهين لابتزاز أحزاب لم تحصل جميعها على عدد المقاعد التي حصل عليها حزب العدالة والتنمية في البرلمان . وهي خطوط حددتها صراعات ونزاعات هوياتية سابقة للانتخابات التشريعية وتمثلات ومعيقات أيديولوجية قبلية ودوافع ذاتية .

نشر
DR
مدة القراءة: 4'

من المفروض أيضا أن تستحظر المشاورات التي سيطلقها السيد العثماني منذ اللحظات الأولى لانطلاقها الأساس الذي كان سبب في حصول الأحزاب على مقاعد في البرلمان أي البرامج الانتخابية وأن تناقش معالم البرنامج الحكومي المزمع تبنيه في السنوات الخمس المقبلة ليس بمنطق فرض برنامج هذا الحزب أو ذاك فهذا لن يكون مطلوبا ولا مقبولا في حكومة ستكون إئتلافية بين أكثر من حزب . في هذا الصدد أتجرأ بالقول أني اطلعت على أغلب البرامج الحزبية وقارنت بينها واكتشفت باندهاش كبير مدى تقاربها بما في ذلك برنامج حزب العدالة والتنمية وحزب الأصالة والمعاصرة خصوصا في ما يخص الأوراش الكبرى التي يقودها ملك البلاد. وعلى كل حال فإن أي البرنامج الحكومي لا يَنزَّل إلا عندما يحضى بموافقة ملكية .

المشكل الكبير بالنسبة إلي هو أننا نعيش في واقع محلي واقليمي ودولي غاية في التعقيد وصعب جدا على حزب أو مجموعة أحزاب مهما كانت نيتها وقدرتها ورغبتها في الاصلاح حل مشاكل المغرب والاكراهات والأزمات التي تواجهه و تحقيق انتظارات شعبه وآماله وأحلامه . نعم عدم تشكيل الحكومة عقد الأمور وزاد من وطأة المشاكل وأخر الكثير من الإنجازات ولكننا اليوم نحن في حاجة ماسة إلى تفكير راهن ومستقبل المغرب خارج المنطق الذي تعودنا عليه إبان الحكومات السابقة أي التخطيط بالكوارث حيث كنا دائما ننتظر حدوث المشاكل لمعالجة آثارها بالكثير من الالتقاطيية والتجريبية.

في عالم يتغير بسرعة مذهلة ولا مستقبل فيه لمن لا يمتلك رؤية وبعد استراتيجي ويتفاعل في الزمن الحقيقي مع التحولات الجيواستراتيجية العالمية بما يؤهله بأن يكون شريكا في مواكبة وصنع الأحداث عوض محاولة التأقلم معها والخضوع لنتائجها بعد وقوعها على رأسه ، في هكذا عالم نحن في حاجة إلى تفكير استراتيجي لحاضر ومستقبل شعبنا وبلادنا . فمشاكلنا الاجتماعية والاقتصادية والتنموية مستعصية كما معظم دول الجنوب ومرد ذلك بالأساس للنموذج التنموي الذي سلكناه منذ خضوعنا لبرنامج التقويم الهيكلي مطلع الثمانينات . وتزداد مشاكلنا استفحلا باخفاقاتنا و بالسعي المستمر للعولمة النيوليبرالية المتوحشة إلى اضعاف الدولة القطرية خصوصا في بلاد جنوب الكرة الأرضية عبر ضرب أدوارها الاجتماعية وتحويلها فقط إلى أداة أمنية وقمعية لحماية مصالح الشركات والأولغارشيات العبر قارية (وممثليها من الأوليغارشيات المحلية) التي تلعب دور طفيليات تعمد إلى الهيمنة على خيرات هذه البلدان واستغلال الأيادي العاملة الرخيصة فيها. ومما زاد الطين بلة أن العولمة النيوليبرالية تسعى للخروج من الأزمة الخانقة التي تضربها منذ 2008 على حساب الدول الفقيرة بالمزيد من النهب ونشر الفوضى الهدامة فيها مما آضحى يرمي بثقل متزايد على دول الجنوب وينذر بعواقب وخيمة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والأمني لهذه الدول .

ليس هذا فحسب بل إن التحولات الجيواستراتيجية العالمية المتسارعة توحي بأن تمة نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب قيد التشكل لا بد من أن نفكر بعمق وبشكل جماعي لدورنا فيه إما كأتباع خاضعين لقواه العالمية والإقليمية والمحورية أو كمساهمين في صناعته ولنا دور ريادي كقوة إقليمية أو محورية في شمال وغرب إفريقيا .

كما يواجهنا وضع إقليمي غاية في الاحتقان والتعقيد سواء في علاقة بما يحدث في الجارة الجزائر أو في ما يحدث في المنطقة المغاربية جمعاء ونتيجة تصاعد التوتر في قضية الصحراء في المدة الأخيرة في ما أصبح يعرف بقضية الگرگارات.

لكل ما سبق أقول أن المشهد المغربي في حاجة إلى تقييم حقيقي لما يتفاعل فينا وحولنا من أجل انطلاقة جديدة تكون بمثابة ثورة أمة تهب لبناء مغرب الكرامة والحرية والديمقراطية والرفاه والتقدم والتعاضد والتعاون بكل الاخلاص والتفاني والتضحيات المطلوبة . مغرب يقطع مع زمن وحدهم الفقراء والطبقة المتوسطة كانوا ولا زالوا يؤدون فاتورة الاخفاقات السياسات الإقتصادية والإجتماعية . نأمل أن تتوحد الأمة المغربية على كلمة سواء قوامها المصالحة الوطنية التاريخية بين كل مكونات المجتمع لبناء المشترك وتجاوز الاحتراب والاستقطاب المميت والاجتماع حول مشروع مجتمعي وبرنامج أولويات وطنيين نتعاون أو نتنافس في تفعيلهما وقد نتفق أو نختلف طريقة في تنزيل مفرداتهما . آن الأوان أن نفكر المغرب ، همومه وأزماته ، اكراهاته وانتظاراته ، حاضره ومستقبله ، تفكيرا جماعيا ، نتحمل فيه صعاب والتضحيات جماعيا ونستفيذ من الانجازات جماعيا .

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال