ما يثير الاستغراب في هذا الأمر هو قيام أحزاب سياسية من الأغلبية بسحب مقترحاتها التي تقدمت بها لتعديل القانون، إرضاء للحزب الذي يرأس الحكومة، والذي لا يريد أي تعديل خوفا من رفع الميز عن المرأة وإنصافها، ما يعتبره خسارة له في المجتمع، وخطوة في مسار التحديث الطويل والشاق.
ما قيمة اقتراح تعديلات إذا كانت الأحزاب التي تقترحها لا تؤمن بها ؟ و أليس من مظاهر التقصير في مشروع القانون المذكور أن تقترح الأحزاب المشاركة في الحكومة نفسها عناصر لتجويده وإغنائه وتقويم اعوجاجه ؟
وما مصير المبادئ والاختيارات الكبرى التي تحملها بعض الأحزاب التي ارتبط مسارها بالمسار النضالي للحركة النسائية منذ عقود مثل حزب التقدم والاشتراكية ؟ وكيف يمكن لحزب باع روحه للشيطان أن ينظر بعد ذلك إلى وجهه في المرآة ؟
كيف يمكن لأحزاب، بعد أن أصبح لنا دستور يقرّ في فصل خاص بحق النساء في المساواة ورفع الميز، أن تنكص على أعقابها من أجل حسابات ظرفية تعرف جيدا أنها لا تدوم أبدا ؟
من جانب آخر يثير استغرابنا كيف يتفق كثير من البرلمانيين من اليمين واليسار والأغلبية والمعارضة على ضرورة إدخال تعديلات على المشروع، باعتباره ضعيفا وفارغا من المحتوى المطلوب طبقا للدستور، ثم في النهاية يتخلى الجميع عن التعديلات المقترحة. أليس هذا من مظاهر سريالية الحياة السياسية بالمغرب وفقدانها لأية شرعية ؟
وبالنسبة لمنطق وزيرة الأسرة، فلنفرض أن الحركة النسائية حركة ضالة مُضلة وليس في ما تقترحه أي رأي صائب، ولنفرض أن رأي أحزاب المعارضة إنما يعود إلى الرغبة المزاجية في المعاكسة والمعاندة للسيدة الوزيرة ذات الفكر الثاقب، فما رأيها في مقترحات مؤسسة وطنية أحدثتها الدولة وهي المجلس الوطني لحقوق الإنسان ؟ وإذا افترضنا أن هذه المؤسسة أيضا متآمرة على "استقرار الأسرة" وعلى "التقاليد" و"الثوابت" ، فما رأي الوزيرة في مقترحات المجلس الاقتصادي الاجتماعي والبيئي ؟ هل يعقل أن تكون كل هذه الأطراف بما تضمه من نخب وكفاءات على خطأ وتكون الوزيرة وحدها على حق ؟
وقبل هذا وذاك، هل يمكن تفعيل الدستور بقوانين منافية لمنطوقه وروحه ؟
أليس من العجائب أن تصبح السياسة رهينة الحسابات الصغيرة لأشخاص سينساهم التاريخ بعد حين ؟