فلقد كان للخليفة عمر الكثير من الملاحظات على قائد الجيوش الإسلامية في الشام خالد ابن الوليد مما سيدفع به إلى عزله ومطالبته بالعودة إلى المدينة وهو ما امتثل له خالد وعاد لكن في نيته مناظرة الخليفة أمام الناس انتصارا لمظلمته ودفاعا عن سمعته وبطولاته ونجاحاته الباهرة في حروب الشام ضد الرومان التي تحدث عنها الأعداء قبل الأصدقاء . طلب خالد لقاءا مفتوحا مع الخليفة لمناظرته أمام أهل المدينة من الصحابة والتابعين الأوائل بالمسجد النبوي فقبل عمر ولم يتردد . لكن ما أن ابتدأت المناظرة / المحاكمة حتى وردت أخبار من البحر الأحمر عن رسو سفينة حربية رومانية على الشاطئ شك حراس الحدود أنها طليعة أسطول روماني يستهدف مكة والمدينة . فبادر خالد القائد العسكري المتميز إلى أخد الكلمة ليقول أنه يتنازل عن حقه في مساءلة الخليفة في قرار العزل وأنه يتطوع لأن يكون في الجيش الذي سيتصدى لهذا الغزو . رد عليه عمر بأن يستمر في مناظرته / مساءلته وطالبه بأن يلقي ما في صدره ويسمع رأي الخليفة في القرار المتخد ضده ، معتبرا، أي الخلفية عمر، أن مواجهة العدو الخارجي لن تكون فعالة إلا بتراص الصف الداخلي وتماسكه وصفاء العلاقة بين مكوناته وأول خطوة في نجاح مواجهة الأعداء هو أن يكون المسلمين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كالجسد الواحد ويكون صفهم كالبنيان المرصوص . أما مواجهة الغزو والمخططات الخارجية بحكام ومحكومين تحسبهم جميعا ولكن في الحقيقة قلوبهم شتى فهذا من دواعي الفشل وذهاب الريح .
نعم الأجسام عندما تفقد مناعتها تسهل مهاجمتها من طرف الطفيليات والجراثيم الفتاكة وتنخرها الأمراض الفتاكة . وهكذا هو شأن المجتمعات والدول حينما تستبد بها المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية يسهل انهيارها أمام مخططات المتربصين بها .. فحينما يتحول الخلاف/ الاختلاف إلى تنازع وصراع تتعرض المجتمعات إلى التفكيك والدول إلى الانحلال: " ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم " .
ومن دواعي الفشل وذهاب الريح أمام مخططات الأعداء وما يترتب عن ذلك من التفكيك والتجزئة:
- وجود الاحتقان والصراع بين الحاكمين والمحكومين ،
- تفشي مظاهر الاستبداد و الفساد والظلم، وقمع للحريات ومصادرة الحقوق ، وسوء توزيع الثروة،
- نهب وسرقة واحتكار خيرات الوطن من طرف قلة قليلة ، مقابل الحرمان والتضييق والحگرة للأغلبية ،
- تهميش الأطراف والجهات لفائدة المركز،
- مصادرة حقوق مكونات أساسية من الشعب : الثقافية واللغوية والجهوية ،
- ضعف التأطير السياسي للشعوب وتراجع الأحزاب وجمعيات المجتمع المدني عن لعب أدوارها في هذا المجال ،
- اطلاق اليد للخونة وعملاء الاستعمار وتمكينهم من المناصب الحساسة أو السماح لهم باستغلال الدعم الأجنبي ليعيثوا في البلاد فسادًا وتفكيكا وتمزيقا ،
- تعثر أو غياب الإرادة لانجاز الانتقال الديمقراطي ، وفي التناوب على السلطة عبر آلية الانتخابات الحرة والنزيهة غير المتحكم فيها واستقلال القرار الحزبي،
- غياب أفق واضح المعالم للخروج من الأزمات وتجاوز التحديات ،
- رهن اقتصاد الدولة بخيارات لا وطنية من خلال الاستجابة لوصفات المسمومة للمؤسسات البنكية الدولية المانحة للقروض
- غياب مشروع مجتمعي وعلى الأقل برنامج أولويات وطني متوافق حوله
- الفشل تلو الفشل للنخب في تحقيق التنمية واستكمال الوحدة ودعم لحمتها وفي تحقيق حلم الشعب في الاستقلال الحقيقي والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والتقدم والرفاه،
الخ ...
إن نجاح في مواجهة مخططات الأعداء وافشالها خصوصا تلك التي تستهدف الوحدة الوطنية رهين اولا بتحقيق أولى الأولويات أي المصالحة بين الحكام والمحكومين، كل المحكومين، باختلاف مكوناتهم وتنوعهم المرجعي والثقافي والجهوي وتحقيق المصالحة بين مختلف المكونات السياسية والجمعوية بحيث يرتفع صوت البرامج والاقتراحات بذل التنابز بالألقاب والانحطاط في الخطاب الذي يُكرِه الجماهير في السياسة وينفرهم منها وما يترتب عن ذلك من ضعف في التأطير والقدرة على التعبئة والاتفاف وطني حول مشروع أولويات وطنية يدعم لحمة المجتمع في تنوعه ووحدة البلاد باختلاف مناطقها و مكوناتها الاثنية و اللغوية والثقافية .
تعزيز المبادرات في اتجاه تحقيق الانتقال إلى الدمقراطية التشاركية توافقية ابتداء، قبل التحول إلى الديمقراطية الانتخابية التي تتحكم فيها الأغلبية من دون سحق الأقلية .
نحن مطالبون بتفعيل الدستور عبر تأويل ديمقراطي لبنوده ومطالبين بالمبادرة لتحسين وضعية حقوق الإنسان ببلادنا وعلى رأسها : حق التنظيم والتعبير والمشاركة السياسية وتوفير مستلزمات الحياة الأولى من تعليم وصحة وسكن لائق وشغل وعدم الحگرة .
بخصوص قضية الصحراء ، فإن أعداء وحدتنا الترابية، المعلنون والسريون، يرددون أن قضية الصحراء قضية نظام، أما الشعب المغربي فهو مهموم بقضايا أخرى. وللأسف الشديد تعاطي المغرب الرسمي في تدبيره لهذا الملف يوحي بتأكيد هذا الانطباع. لدى يجب العمل على افهام العالمين أن المس بقضية وحدتنا الترابية مس بوحدة كل المغرب مما سيدخل منطقة جيواستراتيجية مهمة بالنسبة للغرب وللعالم في الفوضى والعنف والتطرف . رسائلنا يجب أن تكون واضحة خصوصا في هذا الزمن الذي تدخل فيه قضية الصحراء منعرجات وعرة تتطلب السياقة فيها الكثير من اليقظة والحذر والتركيز وقوة البديهة والسرعة في اتخاذ القرارات الصائبة وعدم ارتكاب الأخطاء . ففي عالم متقلب كعالم اليوم تكون السيناريوهات المحتملة مرتهنة لتقلبات وتحولات جيواستراتيجية المتسارعة ولا شيء عاد دائم ومضمون اليوم وعلى بلادنا العمل بعزم الأمور ، أي ، باستحضار السيناريو الأكثر قتامة بالنسبة للمغرب وهو اكراهه على استفتاء لتقرير المصير في الصحراء بناءا على البند السابع. يومها سيكون المغرب أمام حقيقة واحدة هي الاعتماد على المواطنين الذين سيدلون بأصواتهم في هذا الاستفتاء مما يعني بالنسبة إلينا آنيا العمل الدؤوب في الصحراء على المستوى التنموي والإقتصادي والإجتماعي وعلى مستوى احترام حقوق الإنسان والعودة السريعة إلى تفعيل مقتضيات العدالة الانتقالية وتحقيق روح المصالحة الشاملة والديمقراطية أولا والديمقراطية أخيرا. كما يستوجب علينا أن نستمع لما يقوله الكثير من سكان الصحراء ونأخذه بعين الاعتبار ، علينا أن نتخذ كل الإجراءات التي من شأنها أن تقنع المتدبدبين بين الموقف المغربي وموقف جبهة البوليساريو وهم كثيرون لكسبهم إلى جانبنا مع العمل على عدم التفريط في من وقف منذ البداية مع المغرب وأطروحته الوحدوية ومن دون أن نيأس حتى من الرافضين لمغربية الصحراء أي أن نعمل تحت شعار وقاعدةء ضم القريب وتقريب البعيد وتحييد ما يمكن تحييدهم من الخصوم والأعداء .