القائمة

أخبار

ضحى بفلذة كبده كي لا يكون عميلا للبوليساريو . . . لكن تنكر له الوطن !

 قصة محمد نجحي، والكثيرون غيره، تطرح سؤال «إذا كان الوطن غفورا رحيما لمن ذهب ثم عاد، فما جزاء من رفض الذهاب منذ البداية رغم الإغراءات والتهديدات وضحى بعائلته وأبنائه» يقول نجحى «لا أتمنى سوى أن تتحول قصتي إلى كتاب وفيلم تكريما لأسرتي التي تركتها مرغما في الجزائر، ولأسرتي الحالية في المغرب والتي تتكون من زوجتي وأربعة أولاد وبنتين، فهم وحدهم من يفتخرون بتضحياتي من أجل وطني ويشكروني على ذلك، رغم أن الوطن تنكر لي ولتضحياتي وتضحيات أمثالي»

نشر
DR
مدة القراءة: 9'

 بعيدا عن الجدل السياسي والاقتصادي للصراع الجزائري المغربي، هناك جوانب انسانية واجتماعية أخرى لا تحضى بالاهتمام الإعلامي اللازم.

في هذا الروبرتاج، نضع الأصبع على جانب مؤلم من صراع الإخوة، عبر قصة مؤثرة يحكيها أحد المغاربة الهاربين من الارتماء في أحضان الاستخبارات الجزائرية.

يعيد محمد نجحي، طرح سؤال طرد مجموعة من المغاربة من الجزائر سنة 1975 بعد أحداث الصحراء المغربية وقيام «جبهة البوليساريو»، ويحكي بعض كواليس «محاولة تجنيد مغاربة لصالح «الجبهة الانفصالية.

«هكذا وبعد نحو أربعين سنة،  قرر الخروج عن صمته ليكشف عن الثمن الذي دفعه لأنه «رفض أن يكون عميلا للجزائر والبوليساريو.

والمثير في قصة محمد نجحي، الحامل للبطاقة الوطنية رقم P38508، والساكن حاليا بحي أيت بولمان بإقليم تنغير،  جنوب شرق المغرب، هو تشابكها ودراميتها، خاصة أنه كان متزوجا من فتاة جزائرية ورزق منها بطفلتين، وتعرض للمساومة بأسرته وممتلكاته مقابل الخضوع لأوامر «الاستخبارات الجزائرية». فهذه القصة ليست مثل قصص العديد من المغاربة المطرودين، أو هؤلاء العائدين أو الهاربين من مخيمات «البوليساريو»، بل يتعلق الامر بمغربي كان مقيما بالجزائر، هارب من «محاولة «تجنيد وتجنيس.

كان نجحي يقلب ما تبقى لديه من وثائق عمله بالجزائر والرسائل التي بعثتها اليه عائلته الجزائرية وصور ابنتيه، حين قال بعد تنهيدة عميقة «كم هو مؤلم أن ترمي بفلذات كبدك الى المجهول، من أجل وطن تنكر لك، عندما تحس في وطنك الذي ضحيت من أجله بأنك منبوذ ومتوجس منك وغير مؤثمن فيه، ( بحال الى فيا الجرب ) كأن بك جرب، فأن تموت في حرب أهون من أن تموت كل يوم جراء وطن لم يكن رحيما» كلمات باردة سقطت على قلبي وأنا استمع الى قصة من قصص تؤرخ لأبطال بلا مجد.

حلم طفل مغربي … وزواج بحسناء جزائرية:

كما تؤكد وثائقه فقد ازداد محمد نجحي بن لحسن بن عدي سنة 1950 بإقليم تنغير،  حيث تلقى دروسه الابتدائية. وكما يحكي،  فعندما بلغ  سن 16 عاما،  بدأ التفكير في الهجرة إلى فرنسا عبر الجزائر،  حيث اشتغل عمله في جني الزيتون لجمع قدر من المال مكنه من السفر إلى الشرق دون أن يعلم عائلته بوجهته.

استقر في مدينة وجدة وتعرف هناك على مجموعة من المغاربة الذين ينون هم أيضا الهجرة إلى الجزائر،  وساعدوه على ذلك.

يسترسل محمد في حكيه «وبعد أسابيع عدة من الحياة الشاقة،  ما كان لأحد أن يتصورها،  لا تخلوا من النوم في العراء أحيانا بمدينة وجدة الحدودية،  تعلمت فيها ما لا يمكن تعلمه في المدرسة،  ذات ليلة حصل الخروج المنتظر مع كوكبة مهاجرة،  استأجرنا من يدلنا على الطريق وأمرنا أن نمشي تباعا راجلين واحدا تلوى الآخر،  اتقاء الألغام المزروعة في الحدود.»

«واصلنا السير طيلة الليل مسافة 26 كلم إلى أن دخلنا مدينة مغنية الجزائرية مع آذان صلاة الفجر،  منها تفرقنا كل حسب وجهته. واتجهت نحو مدينة معسكر إلى عنوان كان في حوزتي سابقا مع أحد المهاجرين المرافقين الذي له دراية بالطريق سبق له أن اشتغل بها عدة مرات». حسب تعبير نجحي

نجحي

وحكي نجحي كيف اشتغل في مدينة معسكر بالجزائر في الزراعة وراعي الغنم وحفر الآبار وفي معصرة عنب . . . وهو ابن ستة عشر سنة ليحصل على الرغيف ولقمة العيش. وتمكن بمساعدة احد المغاربة هناك من الولوج إلى شركة اسمها «SOTHEB» سنة 1967،  حيث عمل كمنقط يومي للعمال. كما أن رئيس تلك الشركة ساعده في الاستفادة من التكوين في إحدى المدارس فحصل على شهادة الكفاءة ورتبة رئيس ورش محنك في أواخر سنة 1972.

محمد نجحي&

ويتابع محمد سرد قصته «مالك تلك الشركة أعجب بي وبإخلاصي وأراد التمسك بي في شركته خاصة أنه يعرف عزمي على الهجرة الى فرنسا،  فاستعمل كل الطرق لاستبقائي عنده وقد ساعدني على التعرف على ابنة إحدى العائلات الكبيرة ذات النفوذ في الجزائر سنة 1973، وتزوجت بها سنة 1975 قبيل انتفاضة الجزائر وغليانها ضد المغرب».

حرب  الحدود تمزق العائلة:

«بعد أشهر من زواجنا بدأت العلاقات المغربية الجزائرية تتوتر أكثر فأكثر، وأغلقت الحدود البرية وبدأت حملة الطرد وإسقاط الجنسية ضد المغاربة المقيمين» هكذا يتابع محمد نجحي سرده لهذه القصة التي تصلح لأن تكون سيناريو لفيلم.

في حديثه مع الموقع يقول نجحي أنه أثناء تواجده بالجزائر، كان يشتغل رئيس ورش على رأس شركة البناء حين  حاصرته السلطات الجزائرية سنة 1977 واستعملت معه كل طرق المساومة والإغراء انتهاءا بالاعتقال والتهديد بالقتل، ويقول إنهم حاولوا إرغامه على أن يكون عنصرا في «جبهة البوليساريو»  لكنه تمكن بأعجوبة من التملص من قبضتهم.

يسترسل نجحي في كلامه «كان يوما بل أيام متتالية يتخيل إلي أنها يوم القيامة جنة ونار ضد المغاربة في الشوارع الجزائرية عامة،  كان اصطياد المغاربة في الشارع طيلة حملاتها الغاضبة عبر سدود وحواجز الشرطة في ملتقى الطرق الراجلة لا يبحثون عن الهوية فحسب إنما ينادون بها باسم مشهور لديهم هو (مولاي) وكل من التفت إلى النداء يوقفونه ويفتشونه على الفور،  ثم يقلونه على متن سيارة الشرطة إلى مقر التفتيش ثم الطرد إلى الحدود المغربية الجزائرية بوجدة».

«العمالة» للجزائر  أو . . . :

إثر حملتها العنيفة هذه ذات يوم استدعتني الشرطة المحلية للحضور إلى مقرها،  وعندما امتثلت أمامها عرضت علي أن أحمل جنسية «البوليساريو» مقابل تسوية وضعيتي».

وهذا ما رفضه نجحي حسب تصريحته ويقول «وبعد أيام معدودة وأثناء عودتي من العمل في منتصف النهار لأتناول وجبة الغداء اختطفتني الشرطة الحدودية،  التي وجدتها في انتظاري عندما وصلت إلى مدخل منزلي،  حيث  ناد علي الشرطي داخل سيارة كانت واقفة على مقربة من المنزل وعندما وقفت أمامه سألني عن اسمي  بعد ذلك طلب مني وثائق الإقامة ودخلت إلى المنزل وأحضرت له جميع الوثائق المطلوبة ثم أمرني بالركوب.»

وبكثير من الالم المدفون يتابع نجحي كلامه «يدي مربوطتان بمقعد السيارة،  ووجهي ملثم،  وأنا ثالث ركاب بزي الشرطة الحدودية بدون الحديث معي طيلة المسافة فقط اشتروا لي بعض الطعام والسجائر في الطريق».

محمد نجحيé

«وبعد وصولنا الى مكان استشعرت أنه قريب من الميناء بحكم الرطوبة ورائحة البحر، أدخلوني إلى منزل محروس بإتقان فيه غرفة للنوم مجهزة بالفراش ومرافق صحية،  فاستلقيت إلى أن أصبح الصباح».

يحكي نجحي كيف قضى هناك  7 أيام معتقلا تحت الحراسة على إنفراد،  ويقول أنه لم يحدثه أحد عن سبب اعتقاله إلا بعد مرور 4 أيام من الاعتقال،  بعدها تناوب مجموعة من العسكريين الجزائريين على استجوابه وعرضوا عليه عدة مساومات اغرائية، منها مناصب قيادية، لكن محاولاتهم لم تنجح امام اصراره رغم التهديد بالقتل ايضا.

DSC_0454

«أطلق سراحي، بعد ان أومأت لهم بالقبول، وأمروني بالرجوعي إلى منزلي في انتظار أن أتلقى الاوامر من  الشرطة المتواجد بنفوذها بمدينة معسكر.» هكذا تخلص نجحي من الاعتقال والتحقيقات الطويلة ليقرر الهرب.

يقول نجحي «كان همي هو أن أتخلص من قبضتهم في ذلك الحين، بعد أن تأكد لي اصرارهم على الامر، وتسرب اليأس والقنوط إلى قلبي بعدما أدركت أني ملاحق بإلحاح أن أكون عنصرا ضد الوطن، وأن أكون عصا يضرب بها وطني، لهذا قررت الهرب الى فرنسا بمجرد خروجي من هذا المكان»

التضحية بفلذة كبدي:

«كنت في حيرة من أمري، فأنا أب لأسرة صغيرة همي الوحيد أن أعيش بكرامة، ولم تكن لي أي علاقة بالسياسة، فجأة اصبحت وسط هذه الدوامة، ماذا سيكون مصير عائلتي في كلا الحالتين، ماذا سأقول لبنتاي أن عرفتا أني خنت وطني، متى ساكون خائنا في نظر طفلتاي هل اذا رضخت للمخابرات الجزائرية وخنت المغرب أم اذا انتصرت لمغربيتي» كانت تلك أسئلة كاوية دارت في خلد نجحي ليلة اطلاق سراحه.

محمد نجحي(

يتابع محمد نجحي كلامه «في الصباح قبل خروجي من مقر الاعتقال سلموني تذكرة التنقل عبر القطار وورقة نقدية مبلغها 500 دينار جزائري لأذهب الى منزلي بمعسكر، لكن اتجهت تلقائيا نحو مطار الهوري بومديان، وتقمصت دور رجل أعمال مسافر في زيارة قصيرة إلى فرنسا لزيارة العائلة، ولحسن الحظ نجحت الخطة، فغادرت ذلك اليوم 16 رمضان سنة 1976 على الساعة التاسعة صباحا من عاصمة الجزائر إلى مطار نيس بفرنسا».

وبعينين مغرورقتين يقول نجحي «تركت زوجتي المسكينة، وابنتي الصغيرتين، احداهما لم أرى حتى وجهها لأنها ولدت بعد عشرين يوما من مغادرتي للجزائر».

لم يتخلى نجحي عن عائلته اطلاقا كما يؤكد أكثر من مرة بل اتصل بها من فرنسا وطلب من زوجته اللحاق به بعد أن أعلمها بكل شيء، لكنها منعت من ذلك.

الوطن لم يكن رحيما

«عندما وصلت إلى مسقط رأسي بالمغرب في أوائل سنة 1979 أخبرت السلطات المحلية بالواقع مفاخرا لاعتقادي أنني سأكون مقاوما في نظر الدولة، لكنهم انتزعوا مني جواز السفر وجعلوني تحت الحراسة النظرية لمدة طويلة وأصبحت جميع الادارات تتوجس مني بمجرد معرفة قصتي، بل راسلت عدة جهات منها وزارة العدل ووزارة الخارجية والديوان الملكي . . . لكي أتمكن من استقدام عائلتي الى  المغرب حماية لها لكن دون جدوى.» هكذا يوجز محمد نجحي، ما بعد عودته الى المغرب، بكثير من الاسى والتحسر.

محمد نجحي'

بالصدفة فقط، تمكن محمد نجحي من أن يسمع كلمة «أبي» من ابنته الجزائرية سنة 1994،  بعد نحو عشرين سنة من الفراق، وذلك بعد أن تمكنت بنته من الحصول على هاتفه وعنوانه من خلال صاحب الشركة التي كان يعمل بها، فتواصلت مع ابيها عبر الإنترنت، لكنها اخبرته أن لا يمكنهما المجيء بحكم الدراسة وظروف البلاد.

محمد نجحي-

كان نجحي يقلب ما تبقى لديه من وثائق عمله بالجزائر والرسائل التي بعثتها اليه عائلته الجزائرية وصور ابنتيه، حين قال بعد تنهيدة عميقة «كم هو مؤلم أن ترمي بفلذات كبدك الى المجهول، من أجل وطن تنكر لك، عندما تحس في وطنك الذي ضحيت من أجله بأنك منبوذ ومتوجس منك وغير مؤثمن فيه، ( بحال الا فيا الجرب ) كأن بك جرب، فأن تموت في حرب أهون من أن تموت كل يوم جراء وطن لم يكن رحيما» كلمات باردة سقطت على قلبي وأنا استمع الى قصة من قصص تؤرخ لأبطال بلا مجد.

محمد نجحيé

قصة محمد نجحي، والكثيرون غيره، تطرح سؤال «إذا كان الوطن غفورا رحيما لمن ذهب ثم عاد، فما جزاء من رفض الذهاب منذ البداية رغم الإغراءات والتهديدات وضحى بعائلته وأبنائه» يقول نجحى «لا أتمنى سوى أن تتحول قصتي إلى كتاب وفيلم تكريما لأسرتي التي تركتها مرغما في الجزائر، ولأسرتي الحالية في المغرب والتي تتكون من زوجتي وأربعة أولاد وبنتين، فهم وحدهم من يفتخرون بتضحياتي من أجل وطني ويشكروني على ذلك، رغم أن الوطن تنكر لي ولتضحياتي وتضحيات أمثالي»

ينشر بالاتفاق مع  موقع دادس انفو

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال