يتعلق الأمر بما تابعه الرأي العام الوطني الأسبوع الماضي في قضية «المشروع الوطني لتجارة القُرب»، والذي امتنع الملك عن حضور التدشين لإعطاء الانطلاقة الفعلية له بمدينة الرباط .
تفاصيل الحدث توضح من جديد نموذج تدبير المسؤولين للتدشينات الملكية، فقد تحدثت الصحافة عن هزالة «الفضاء التجاري للقرب» بحي النهضة، والذي يندرج في إطار المشروع المذكور، وعن الأسطول الكامل الذي تم استنفاره لتغيير معالم موقع التدشين بالكامل، وعن هدم وإتلاف محلات العديد من التجار، وعن احتجاز عشرات الباعة الجائلين بعيداً عن الخيمة الرسمية للنشاط..
لكن في العمق، فإن الغضبة الملكية تُعيد طرح مسألة توزيع الصلاحيات داخل السلطة التنفيذية، خاصة مع غياب رئيس الحكومة عن المشهد العام لهذا الحدث، وهنا يمكن أن نطرح بعجالة ثلاث ملاحظات أساسية، وخلاصة سريعة:
أولا، حاول دستور 2011، تجاوز لحظة الملكية التنفيذية دون أن يصل بالطبع إلى الملكية البرلمانية، لذلك، لدينا نظام سياسي مبني على ثنائية السلطة التنفيذية، ثنائية لا تحيل على توازن الصلاحيات، إذ تظل العلاقة محكومة بالتراتبية بين رئيس الدولة والحكومة، وإذا كانت الأمور واضحة فيما يتعلق بالصلاحيات الحصرية للحكومة، وبالمجال المحجوز للملك، فإن الالتباس يلف طبيعة توزيع الصلاحيات المشتركة، خاصة مع «مطاطية» مفهوم السياسة العامة للدولة، وغموض مؤشرات التمييز بين المجال الحكومي للسياسات العمومية، والمجال الملكي للإشراف الاستراتيجي.
ثانيا، في هذه الحالة يتعلق الأمر بمشروع حكومي برعاية كلّ من الداخلية ووزارة التجارة والصناعة، والواقع أنه بغض النظر عن الأهمية الاقتصادية للموضوع (قطاع غير مهيكل يضم قرابة 300 ألف بائع جائل، يعيلون حوالي مليون ونصف نسمة)، وحساسيته الأمنية والانتخابية، فإن الأمر لا يتعلق في النهاية بمشروع استراتيجي، وهو ما كان يستوجب بالنظر إلى طبيعته الأفقية، وتعدد المتدخلين: (حكومة، مبادرة وطنية للتنمية البشرية، جماعات محلية، مهنيون..) أن يكون ملفاً من الملفات التي يشرف عليها رئيس الحكومة.
ثالثا، إن هذه الغضبة الملكية، كما يُمْكِنُ أن تقرأ كنقطة نظام من رئيس الدولة على ارتباك في تدبير حكومي لسياسة عمومية مندمجة بآثار اجتماعية واقتصادية وأمنية مهمة، يمكن، كذلك، أن تقرأ كواحدة من الإمكانيات التي تتوفر عليها المؤسسة الملكية تجاه بعض الفراغات المرصودة في هندسة وحكامة وتأطير السياسات في المستويات الحكومية، والتي تستطيع معها ممارسة نوع من «الحُلُول» في علاقة مع القيادة التنفيذية للحكومة.
الخلاصة التي نُعيدها – بلا ملل – في هذا الركن؛ هي أن تنازل رئيس الحكومة عن تشغيل المساحة الواسعة لقيادة الحكومة وتدبير السلطة التنفيذية، التي يوفرها له الدستور، لا شك أنه سيمنح مبررات لعودة الملكية التنفيذية.
تماماً مثلما يُعتبر تلويح بعض المعارضة بالتحكيم الملكي في قضايا من صلاحيات الحكومة، أو في أمور لا يمكن أن تُكيف كنزاع بين المؤسسات، مُجرد طلب على إحياء وتقوية الملكية التنفيذية.
لا أعرف إن كان رئيس الحكومة سيعتبر هذا الكلام مندرجاً في باب البحث عن الوقيعة بينه وبين الملك، لكنه لابد أن يعرف أنه من الممكن لاستراتيجية الثقة والتوافق أن تُنجح تجربته الحكومية، كما يمكنها أن تُنجح حزبه سياسياً وانتخابياً، لكنها إذا تأسست على عدم احترام الدستور، فإنها ستقود حتما إلى التراجع عن المسار الديمقراطي.