كل هذا إذن نعترف له به ونثمنه ونحبه فيه، وهذا ما يجعل منه أحد "عمالقة" الكوميديا المغربية المعاصرة. ما شد انتباهنا وشغلنا هو منتوجه الفني "لوكوبل" وتسائلاتنا المقلقة حول أية رسائل ضمنية تُضمر وراء حلقاته. عندما يغادر المرء المستوى الأول من استماعه-قرائته للوكوبل ويتعمق في الطبقات السيكو-سيميائية العميقة له، يفاجأ بأن هذا العمل موغل حتى آخر شعرة فيه في إعادة إنتاج، بطريقة لاشعورية، أنماط تفكير وشعور تُعتبر في العمق حجرة عثرة في طريق تقدمنا الثقافي والإجتماعي. اخترنا اليوم موضوعان غير بريئين، بل من المواضيع الأكثر أهمية في حياتنا الإجتماعية: قضية المرأة في علاقتها بالعقلية الأبيسية ومشكل الهجرة.
يلمس المرء على طول حلقات البرنامج إعادة إنتاج الصورة النمطية السلبية التي يحملها أفراد مجتمعنا عن المرأة. وحتى وإن افترضنا بأن إعادة الإنتاج هذه لاشعورية في البرنامج، فإن ما هو مؤكد هو أنها تعشش في الوعي واللاوعي الجمعي. فتكرار المواقف حيث تقدم المرأة "كبضاعة" زائدة، تُستهلك كأي منتوج آخر سواء كموضوع جنسي أو "خادمة" طيعة للرجل، لا يكون لوجودها أي معنى إلا بخدمته والسهر على راحته: الطبخ، الإعتناء بالمنزل، تمريضة، تذليله كطفل صغير، بل وحتى تهييئ ما يحتاجه من أدوات عندما يريد الذهاب إلى الحمام، ما هي إلا فلاشات تعزز تمثل المرأة كوسيلة من الوسائل التي تساهم في رفاهية الرجل. وعندما لا تقوم بهذا الدور كما ينتظر المرء منها، فإن وابل غضب الرجل يُصبُّ عليها، بل يأخذ الحق لتعنيفها رمزيا بحركات عكازه أو لذغات لسانه. تقول الشعيبية مثلا: " أنت زين خاصك غير لعقل"، ويرد كبور: "أنتِ بعقلك، خاصك غير الزين". وحتى وإن كان "لوكوبل" يتعرض بوضوح لسلطة الرجل العمياء، التي تتمظهر في إشارات بعينها مليئة بأفعال الأمر ونوبات الغضب التي تستولي على كبور لسبب أو دونه، فإنه لا يقدم هذه السلطة كمشكل يجب تجنبه، بل كطبع عادي للرجل المغربي اتجاه المرأة، التي عليها تحمله وعدم معارضة الرجل. نفس الشيئ يمكن أن يقال على المقاطع حيث يُقدم الرجل كصاحب حيلة، بل كاذب، يوظفها مستغلا "سذاجة" المرأة، سواء للحصول منها على نقود أو قضاء بعض المآرب. فعلى الرغم من أن مثل هذا التقديم قدحي في ظاهره، إلا أنه يؤسس لاستمرار الميكانيزمات العقلية الأبيسية في المجتمع؛ لأن الرسالة الواضحة والمباشرة توحي بأن الرجل أكثر ذكاء ودهاء من المرأة.
كمهاجر، لا أرى في الكوبل أية خدمة إيجابية لقضية الهجرة. على العكس من هذا فإن تركيزه على عينة صغيرة جدا من المهاجرين، هو إعطاء صورة عامة سلبية جدا على قضية الهجرة. بل إن توظيف امرأة من جديد للتعرض إلى هذا الموضوع، يؤكد بأن لوكوبل يعاني ضمنيا من "عقدة الأموسية". لا جدال في أن هناك نساء شابات التجأن إلى الهجرة وارتبطن بأجانب، لكن تقديمهن بهذه الصورة القدحية غير موضوعي وغير مقبول؛ لأنه يغذي مآة الأحكام المسبقة على كل شابة مغربية ارتبطت بغير مغربي، بل يُنتج نوعا من العنصرية المضمرة اتجاه هؤلاء الأجانب، حتى و إن كنا مرتبطين بهم بسبب عامل الدم، عندما ينجبون مع مغربيات. لا يمكن إذن السكوت على الرسائل السلبية الموقوتة في لوكوبل اتجاه المهاجر وتقبلها تحت ذريعة أنها تضحك، لأنها في العمق تبكي لطريقة تعامل فنان كبير مثل الفد مع ملف الهجرة. يعيد البرنامج إنتاج النظرة النمطية على المرأة المهاجرة بالخصوص، التي ينظر لها وكأنها مجرمة وتلحق بها كل النعوت القدحية المباشرة وغير المباشرة إذا ارتبطت بأجنبي. إضافة إلى هذا فإن هناك ثنائية غير مقبولة في هذا الموضوع: من جهة الهجوم على المهاجرة المتزوجة من غير مغربي، ومن جهة أخرى التعامل معها براغماتيا و"حلبها" ماديا، دون أن تفلت من تطبيق العقلية الأبيسية المتسلطة عليها. وبهذا تُغلق الدائرة من جديد في لوكوبل فيما يخص موضوع المرأة: لا يهم إن كانت تعيش في المغرب أو خارجه، ما يهم العقلية الأبيسية التي يروج لها البرنامج هو عدم السماح لها بمغادرة حضيرة الرجل، حتى و إن كانت تعيش في ميلانو، لأن ميكانيزمات التسلط الأبيسي عابرة للقارات والبحار، تلاحقها في كل مكان وفي كل زمان.
إذا ربطنا رسائل الكوبل حول المرأة برد فعل حسن الفد على أغنية الداودية "اعطيني صاكي"، فإننا نتيقن بما فيه الكفاية في إيماءاته، بأنه ضحية العقلية الأبيسية بامتياز، وبأنه لم يتجاوز في فنه في هذا الإطار عتبة الأفكار الرائجة حول المرأة؛ بل يمكن اعتباره سجين هذه الأفكار، يروج لها في قالب فني ويعيد إنتاجها باستمرار في فكاهته، وبهذا يمكن تأطيره في خانة الفنانة التقليديين المحافظين. فتجاوب الجمهور معه يتم، ليس لأنه يأتي بجديد على مستوى المضامين، بل لأنه يكرس ويجذر العقلية التسلطية للرجل، بل يرعاها ويتنباها، إن على وعي أو دون وعي، ويدافع عنها في فنه.