"أجمل" ما حققه هذا المجلس هو عدم تهاونه في الدخول في صراعات مستمرة مع الحكومة، و المفارقة هو أنه يُعتبر "تحت وصاية" هذه الأخيرة، لكنه طفل مشاغب، و لربما منحرف، يكسر باب البيت و يصيح بأعلى صوته كل مرة حاولت الحكومة "تدجينه" و "تذكيره" بأن لا شيء في يده، حتى و إن اقتضى الأمر إدخال الملك على الخط ليرجع المياه إلى مجاريها. ما يهمنا في هذه الورقة هو تركيز التحليل على هذا الصراع، الذي يتمظهر في تجليات مختلفة، و هو صراع طبيعي لمجلس لم يتأسس على قاعدة شعبية تمثل كل النسيج المغربي المهاجر، بقدر ما "فبركه" المرء و ركزه جغرافيا على بلدان دون غيرها، دون الأخذ بعين الإعتبار لخصوصيات حركة الهجرة في دول الإستقبال. يعتبر هذا الصراع إذن طبيعي و سيحتدم أكثر، و لا يهم أي نوع من الحكومات تحكم أو ستحكم المغرب.
الخلفية الغير المرئية لهذا الصراع تمد بجذورها في التسييس الأعمى لهذا المجلس و مثابرة بعض الأحزاب المغربية، المشاركة و غير المشاركة في الحكومة، للفوز و التفرد بورقة المهاجرين، لأنهاعلى كل حال ورقة سياسية رابحة لكل الأحزاب السياسية في المغرب، و بالخصوص تلك التي تراهن على ضرورة إشراك المهاجر في اللعبة السياسية بالمغرب و كسب أصوات المهاجرين (أكثر من خمسة ملايين نفس طيبة). إذا سمينا الأشياء بمسميتها، يمكن القول بأن هناك نوع من "الدعارة السياسية" لبعض الأحزاب التي تغازل عيون المهاجر، و لا تتردد مثل هذه الأحزاب لتقديم سياستها في ثوب "جاريات" تحاول "جر" المهاجر ورائها مهما كلفها الثمن.
كل التبريرات التي تقدمها الحكومة، و تلك التي يقدما "مسؤولوا ممثلي الجالية" في صراعهما، هي تبريرات لا يمكن لأي عقل قبولها، لأن جر الحبل بين الإثنين لا يخفى على أحد، و لأن أسباب هذا الجر واضحة للعيان لكل مهاجر متفطن، و في عملية جر الحبل هذه يُسْتَخْفَفُ بكفائة المهاجر في التمييز الدقيق بين ما هو سياسي في هذا الصراع و ما هو مرتبط بوضعه كمهاجر. علاوة على هذا، لم تقم لا الحكومة و لا "المجلس" بأية دراسة معقولة للكشف عن وجهة نظر المهاجر نفسه في هذا الصراع و لا عن نوعية "تمثيل المجلس" للمهاجر، لأن هذه "التمثيلية" أصبحت "تمثيلا" فعليا، يأخذ المهاجر كرهينة توضع بين نارين متقدتين، لا هي بشرقية و لا غربية، يدفع المهاجر صوبها و هو معصوم العينين و يُكتوى بلهيبها من كل جانب. واقعيا فعليا، ليست للمهاجر أية فكرة على "المجلس" و هو شبه مجهول في الرأي العام المهاجر، اللهم بعض الأوساط الخاصة، الرافضة له مبدئيا، لأنها لم تحصل على نصيبها من كعك تأسيسه، أو المدافعة عنه، لأنها توصلت بنصيب الأسد من "وزيعة" تأسيسه. و بهذا أمكن القول بأن هذا المجلس، بهذا الشكل، جسم غريب دُس في جسد الهجرة المغربية، ليس ليخدم مصالحها: بل "ليخدمها" بالمعنى الدارج عندنا.
البديل الحقيقي في نظرنا هو تدارك خطأ التأسيس و إعادة انتخاب المجلس طبقا لطبيعة خصوصية نسيج الهجرة، سواء الثقافية أو الجغرافية: الدائرة الإسكندنافية، الجرمانية، الفرنكفونية، الإبيرية، الإيطالية، الشمال أمريكية، الخليجية، الشمال إفريقية إلخ. من الضروري أن يُنتخب ممثلوا المجلس من صفوف المهاجرين أنفسهم و أن تكون لهم تجربة تسيير في دول الإستقبال و ألا تتطاول الأحزاب السياسية على هؤلاء الممثلين أو تملي عليهم اختياراتها، كما لا يحق للحكومة التحكم في رقبة المجلس تحت أية ذريعة كانت و تخصيص ميزانية معقولة للمجلس من المال العام ليسير شؤونه بما يخدم مصالح المهاجر. بعدها يكون من الممكن أن تختار الجالية ممثليها البرلمانيين بحرية و عن قناعة من صفوفها و ممن يعتبر منغمسا في همومها و ليس من وصوليين متحزبين و موجهين أيديولوجيا. نقول بصريح العبارة، نعم للمشاركة التشريعية للمهاجر في بلاده الأصلي و "لا" و كل "لا" لإيهام الأحزاب إياه بأنه سيصبحا "وزيرا" أو "رئيس ديوان" في أية حكومة.
لا يحق لا للحكومة و لا "لأعضاء المجلس الحالي" اعتبار المهاجر كبش فداء و لا مطية تُستعمل لقضاء مآرب بعينها، لا تخدم إلا الجهات المُستغِلَّة، و ليس طموح المهاجر للمساهمة في تطوير بلده الأصلي. في العمق، ليس المهاجر هو الذي في حاجة للحكومة، لكن العكس، لأن كل مهاجر بنى حياته الخاصة في أي بلد استقبال و بقي مرتبطا مِثاليا أو فعليا بوطنه الأم هو رأس مال مجاني ثمين لحكومات تعاقبت على كراسي التسيير في المغرب، و لم تع الغنى المادي و لا المعنوي لمثل هؤلاء المهاجرين. عوض الإهتمام الجدي بملف الهجرة، ها هي الحكومة و "ممثلوا المجلس" في مبارزة علنية دامت أكثر من اللازم، في حلبة مصارعة الثيران، و نعرف في كل مصارعة من هذا النوع أن "الثور المهاجر" هو الخاسر الأول و الأخير، لأن مصيره يكون واضحا منذ البداية، يُدْمَى قبل أن يُقاد حيا أو ميتا لمجزرة تاريخ الهجرة المغربية إلى الخارج، دون صلاة جنازة و دون تصريح بالوفاة حتى.