تعقيد التنظيم المجتمعي أدى إلى بروز العلوم الإنسانية
ومع تعقد المجتمعات وسيطرة التوجهات الرأسمالية ازدادت الهوة بين الفئات والطبقات الاجتماعية نتيجة لاحتكار الثروات وسوء توزيعها فازداد الفقر والجنوح الناتج عنه وتفاقمت المشاكل الاجتماعية فلم يعد بإمكان التكافل الاجتماعي التلقائي استيعابها .....
مما جعل كثيرا من العلوم الاجتماعية تتبلور وتنمو من أجل فهم الظواهر الاجتماعية وتفكيك آلياتها سواء منها العادية أو المرضية مثل علم النفس بمختلف تخصصاته وعلم الاجتماع بمختلف فروعه وعلوم الصحة والتغذية و التنمية و الاقتصاد و العلوم القانونية والسياسية وما إلى ذلك من تخصصات سعت لتقديم نظريات تمكننا من فهم المجتمع وتفاعلاته المركبة ,
العمل الاجتماعي المهني كجواب عن الاختلالات التنموية :
في موازاة هذا ظهر العمل الاجتماعي كتخصص يهتم أولا واخيرا بإدماج الإنسان في المجتمع وتحقيق الشروط التي من شأنها تسهيل هذا الإدماج .
من خلال الاستثمار الأمثل لإنجازات علوم "الإنسان " وصهرها في قوالب قابلة للتطبيق العملي الخلاق وفق مقاربة عقلانية تخضع لمناهج علمية معترف بها عالميا .
وما فتيء هذا العلم الذي برز في منتصف القرن العشرين ينمو ويتبلور ليفرز نظريات ومناهج في "الهندسة الاجتماعية" وعلوم التنمية الاجتماعية منها والذاتية
التي تهدف لرفاه الإنسان و ضمان كرامته أولا وأخيرا ,
المغرب والكفاءات المتخصصة الموقوفة التنفيذ :
ولقد تم إدخال هذا التخصص للمغرب منذ الثمانينات من خلال المعهد الوطني للعمل الاجتماعي الذي أتشرف بالمساهمة في وضع لبناته الأولى وتدريس أجيال متعاقبة من خريجيه الذين أبانت التجارب عن كفاءتهم المميزة . .
ومافتئت الجامعات المغربية تدمج هذا التخصص الذي أبانت التطورات المجتمعية عن ملحاحيته ضمن شعبها وتخصصاتها خصوصا في العشرية الأخيرة
التي عرفت رواجا كبيرا لمفاهيم حقوق الإنسان سواء منها السياسية أو الاجتماعية .
ولقد أنتج هذا العلم مقاربات منهجية تستوعب التضامن الاجتماعي ضمن مقاربة مؤسساتية تخضع لمناهج علمية قادرة على تقديم الأجوبة الفعالة في مجال تنمية المجتمع والإنسان .
من هنا لا بد أن تكون مقاربة اٌلإقصاء الاجتماعي بوسائل تكون في مستوى ملحاحية المشاكل التي يطرحها وأعتقد أن المغرب يملك ما يكفي من الأسلحة النظرية والمناهج والأطر الكفؤة لبلورة سياسات اجتماعية تجيب عن حاجيات المواطنين الاجتماعية انطلاقا من مرجعية حقوقية تضمن كرامته وكينونته الإنسانية ,
هل يملك المغرب هذه السياسات الاجتماعية ؟؟؟؟
لعل الجواب يظهر صارخا وفاضحا من خلال بعض البرامج التلفزية التي تتسول المشاهدين لحل بعض المشاكل البنيوية في غياب أجوبة رسمية على ذلك
والطامة الكبرى هي بروز بعض الوزراء ضمن مواطنين آخرين وفنانين في بعض الفديوهات يتسولون مواطنين عزل "لفعل الخير " "وفك العزلة " عن جزء هام من ساكنة المغرب سواء منهم المحاصرين بالثلوج أو القاطنين بالمناطق المهمشة والتي تم تفقيرها نتيجة للإهمال الحكومي المتعاقب .
هؤلاء الوزراء ،الذين يرفلون في نعيم مكاتبهم الوفيرة وفيلاتهم الفخمة وعدد من الخدم والحشم والخدمات والأجر الباذخ الذي يوفره لهم منصبهم الوزاري بريعه السخي على حساب دافعي الضرائب يتوجهون لنفس المواطن الذي يقاوم غلاء المعيشة وإكراهات حياته اليومية التي لا تحد كي يفك العزلة عن إخوانه المحاصرين بالثلوج وبأحزمة الفقر والتفقير التي أنتجها أمثاله من عديمي الخبرة والكفاءة الذين لا يتقنون غير الثرثرة و استثمار طيبة الناس وقيم الإحسان لصالح راحتهم وراحة ذويهم ولصالح ريع سياسوي يفضح بالملموس المكر السياسي لاالكامن وراء هكذا خطابات وكذا انعدام الخبرة والكفاءة لدى هذا النوع من النخب السياسية التي سلطها الله علينا في أحلك مراحل التاريخ لتعلمنا كيف نتسول بعضنا البعض وتنحذر كرامتنا أسفل سافلين .
عندما تنعكس الآية ويعدو المخاطب متسولا للناس العزل :
مجرد سؤال :
من يجب أن يخاطب من ؟؟؟؟
تبدو الآية معكوسة للآخر
لأن الوزير وأي مسؤول رسمي هو الذي يجب أن يوجه له المواطنون المهمشون والمقصيون و كل ذوي الحقوق ومن يتكلم باسمهم طلباتهم عبر اليوتوب أو الفايسبوك وليس العكس ,
أما وقد قلبتم الآية وتبنيتم منطق التسول والاستعطاف ودغدغة المشاعرمكان الخطط والاستراتيجيات المحكمة نسائلكم :
من المسؤول عن أحزمة الفقر وجغرافيتها بهذا الوطن العزيز ؟؟؟
أو ليس أمثالكم من الجالسين على مكاتب التسيير بدون أن يعرفوا اختصاصاتهم وأدوارهم حتى ....؟؟؟؟
وكذا نظراؤكم من المستفيدين من كعكة المغرب باحتكارهم للثروات وتجاهلهم لحاجيات شعب طيب وبذخهم وسوء تسييرهم بل تبذيرهم مثل صاحب الشكلاط وأصحاب السيارات الفارهة ؟
وتلك القوافل المتعاقبة من النخب المهووسة بالأسفار للخارج متاجرة في آفات اجتماعية أنتجها النهب والفساد والإفساد ؟؟؟
كي لا نتكلم عن ناهبي المال العام ومهربيه إلى الخارج الذين استفادوا من مقولة
"عفا الله عما سلف "
علما أن الاستئساد على الفئات الضعيفة لازال يتوالى عبر قرارات وإجراءات تصب في اتجاه خلق المزيد من الإقصاء والتفقير وتعميق كتل المظلومين في شغلهم وخبزهم وكرامتهم ضدا على منطق تكافؤ الفرص الذي يقر به القانون الأسمى للبلاد :الدستور
كفى من الطنز وشغلوا ادمغتكم وفق إمكانياتكم :
كفى من "الطنز "كما يقول المغاربة , وكفى من "الاستغفال "لا ترجعوننا إلى زمن غير زمننا وفق ساعتكم الفكرية البائدة ,التي تجاوزها التاريخ منذ قرون . .
فزمننا زمن حقوق الإنسان والقيم الإنسانية العليا الحافظة للكرامة ولكينونة الإنسان
. الفئات المهمشة والمقصية لا تحتاج "صدقات" بل "حقوقا " تفرضها مواطنتها الكاملة , أولا وأخير ومنطق توزيع الخيرات والثروات وفق قيم العدل والعدالة كما تقرها القوانين والقيم الإنسانية محليا وكونيا ,
أما العمل الإحساني فمن المفروض أن يكون تكميليا ليس إلا
دوركم أيها المسؤولون هو التنمية لأنكم تملكون وسائلها .
أنتم تسيرون ميزانية أعطيت لكم من ضرائبنا وبين أيديكم ترسانة من الأجهزة والأطر والآليات والوسائل .
شغلوا أدمغتكم وقوموا بالمبادرات التي تناسب إمكانياكم ولاتجتروا تلك الوسائل التي استعملتموها وأنتم مواطنين عزل كي تتسلقوا مناصب السلطة بدون أن تصرحوا بنواياكم لمن ساهم معكم فيما كنتم تروجون له بأنه "فعل خير" ,
العمل الإحساني تكميلي للخطط التنموية وليس العكس :
الإحسان من المفروض ان يقوم به مواطنون لا يملكون أية وسائل عمومية بشكل تلقائي وعفوي لكن بعد أن تقوموا أنتم بدوركم التنموي الهادف لتقليص الفوارق وضمان تكافؤ الفرص بين المواطنين المغاربة ,
وقد يقوم به المجتمع المدني أو أفراد لم يقبلوا التفرج على مآسي لم تجد الجواب من الرسميين لتأكيد تضامنهم مع إخوة لهم في محنة بشكل لا يقبل الانتظار ,
أنا لست ضد الإحسان ولا العمل الإنساني ولقد قمت بمبادرات في هذا الاتجاه كمواطنة تجاوبت مع فئات متضررة بالكوارث او الحروب وتجاهلتها الجهات الرسمية وشبه الرسمية لأنني لم أستطع التفرج على المآسي أمام خذلان الجهات الرسمية ذات الترسانات الضخمة ,
أما أن يتحول الإحسان " لقاعدة تتبناها حتى الجهات الرسمية ويتم الترويج لها كي تعم جغرافية الوطن مكان مبادرات تنموية وممنهجة فالوضع مختلف تماما ,,,,,
كفوا عن نشر قيم التسول والمهانة ،لا تجعلوا من المغاربة امة تمارس التسول في
عبر التلفزيونات والجرائد و اليوتوب و الانترنيت وبشكل رسمي
دوركم هو التخطيط الاستراتيجي وبناء الهياكل لا لوك الاستعطاف عبر وسائط الاتصال الحديثة . فكونوا في مستوى تحديات عصركم بمكاسبه الفكرية والتكنولوجية والعلمية لأنكم بهذا أفعال تجرون عربة بلادنا نحو الخلف ,