لكن أن تقوم السلطات المغربية باعتقال شباب مغاربة دون سن الرشد، بسبب قبلة على الـ"فيسبوك"، وجرجرتهم بالطريقة المعروفة بقصد الإذلال والانتقام والتخويف والترهيب، فهذه من علامات التخلف الفاضحة، التي لا يمكن السكوت عنها.
إن السرعة والحماس اللذين قامت بهما السلطات باعتقال الشباب، واللذين أظهرت خلالهما همّة وتفانيا في العمل يثير الإعجاب، يطرح أمامنا أكثر من سؤال، فّثمة أعداد كبيرة من المواطنين يستنجدون يوميا بالأمن ولا من مغيث، وحتى عندما يصل رجال ونساء الأمن يصلون متأخرين متباطئين كأن ما يقومون به يثقل كاهلهم ويزعجهم. كما أن فضائح كبرى حصلت في نهب المال العام وتزوير وثائق الدولة واستغلال النفوذ في أمور غير قانونية واحتقار المواطنين واستعبادهم دون أن تتحرك الجهات ذاتها لمتابعة الجناة، مما يجعل كل عاقل يتساءل إن كانت القبلة بين شابين يافعين تمثل خطرا على الدولة والمجتمع أكثر من الجرائم الحقيقية والفضائح التي ترتكب يوميا، والتي أصبح الكثير من أبطالها يُستقبلون في المحافل الرسمية بتبجيل وتعظيم، بل إنهم يعودون إلى الحكومة مظفرين كالأبطال، ولا ينقص إلا أن نحتفي بهم بمنحهم جوائز التقدير على الجرائم التي ارتكبوها في حق المغرب والمغاربة.
ما زالت حالة الفصام القصوى تعصف بالسلطات المغربية، فمن أجل تعبيرها عن كامل الحزم في محاربة "الإرهاب" اعتقلت صحفيا بسبب ممارسته لمهنته، ومن أجل "حماية الأخلاق" اعتقلت مراهقين بسبب قبلة وزجت بهم في غيابات السجون كالمجرمين، جاعلة بلدنا لا فرق بينه وبين الدول الإرهابية الأكثر ظلامية كطالبان أو السودان. ومن أجل أن تعطي عن المغرب صورة البلد "المتسامح" والفخور بـ"تعدديته"، والذي يشكل "استثناء" في المنطقة، والذي "يشق طريقه بثقة نحو الديمقراطية"، قامت باعتقال شاب اعتنق المسيحية وحكمت عليه بعامين سجنا نافذا، قامت السلطات بكل هذا تاركة عتاة الإرهابيين يعبثون في بعض مساجد وزارة الأوقاف ومنابر أخرى كل جمعة وأحيانا يوميا، يزرعون الكراهية بين المرء وأخيه وبين الابن وأبيه، ويدفعون نحو فتنة لن تعيد أبدا الزمن الغابر، وإن كانت ستقتل الكثير من الأبرياء، وتجعل الحياة في غاية البؤس والكآبة والفقر الروحي والعقلي.
ماذا تريد السلطات المغربية تحديدا ؟ فهي في شعاراتها تعبر عن أجمل ثمرات الحضارة الإنسانية المعاصرة، بينما في سلوكها تعكس مرحلة ما قبل الدولة الحديثة، إنه الارتباك حدّ الخبل، والتناقض حتى الضياع.
تعمل السلطات المغربية على ضبط المجتمع وفق الثلاثية التالية: العنف ـ التحريم ـ النفاق، فهي ترسم الحدود بالتحريم، وتردع بالعنف، ثم تترك المجتمع ينفس عن مكبوتاته بالنفاق الاجتماعي اليومي، والذي يعني أن يقول الناس ما لا يعتقدون، وأن يفعلوا عمليا ما لا يقولون.
يفسر هذا لماذا أعطت السلطات لقبلة الشباب حجما أكبر مما تبدو للناس، فبعض الأمور التي تبدو صغيرة ليست كذلك في منظور السلطة، لأنها ذات صلة بأمور أعظم، ولهذا لم تمنع القبلة إلا لأنها تعلم بأنها تعبير عن روح جديدة تخشاها هي روح الحرية، وهو ما يجعل القبلة تمردا وثورة، ليس على بعض التقاليد ولا على المجتمع، بل على النسق ككل، ولهذا تضطر لأن تتدخل في ضربة استباقية خشية وقوع الأسوأ.
إن ضبط المجتمع سياسيا يبدأ بضبطه ومراقبته في أصغر التفاصيل، هذا هو منطق السلطة في الزمن الماقبل ديمقراطي.
يمثل الشباب في ظلمة الحاضر شعلة المستقبل، ولهذا على جميع القوى الحية المؤمنة بالعدل والحرية أن نقف بجانبه وقفة حزم وصدق، وحتى لا تقع مثل هذه الوقائع مرة أخرى، أقترح على الشباب ما يلي: قبلوا بعضكم بعضا في الشارع العام وفي الفيسبوك ، واعملوا ذلك بكثافة حتى لا تجد السلطة متسعا لكم داخل سجونها، وعندئذ ستكون مرغمة على أن تستسلم، فالحبّ قوة خارقة تستطيع أن تهزم أعتى الدكتاتوريات !.