ظل النظام الذي يمثله الجيش يعمل على فرملة حراك الشارع وتسييجه، والحدّ من اندفاعه وطموحه، وظل حلم الإخوان أن يهيمنوا على دواليب الحكم بشكل كامل، بعد أن ثبت في أذهانهم أن الديمقراطية التشاركية في المرحلة الانتقالية الحالية لن تكون في صالحم، لأنها ستجلهم يحتاجون إلى وقت أطول، بينما هم يستعجلون الوصول إلى نهاية السباق الذي ليس في دواخلهم سوى ترسيخ التيوقراطية.
ولهذا أخرج كل طرف من الطرفين ما في جعبته من وسائل الاستقطاب والمواجهة، فاستعمل الجيش ـ النظام وسائل القمع الشرس بدون تحفظ، بعد أن قام بتهريب انتفاضة الشعب ضدّ حكم محمد مرسي والإخوان، واعتبرها تفويضا له من الشعب و توقيعا على بياض، فصادر الرأي الآخر، وقتل المتظاهرين، واعتقل خصومه السياسيين، ووضع البلاد على فوهة بركان، وأعادها إلى حالة الطوارئ.
وقام الإخوان بدورهم بما في وسعهم من احتلال للفضاء العام، ومن تعنيف لمعارضيهم، وأفرطوا في اعتماد النزعة الانتحارية التي وضعوا فيها الأطفال والنساء في المقدمة، قربانا من أجل السلطة والنفوذ، دون تفكير في العواقب أو احترام لقيمة الإنسان، وهم يعتقدون أنهم بكثرة الٌقتلى والمعتقلين ستعود لهم مصداقيتهم التي فقدوها بعد سنة من التحكم الأعمى والسلطوية المتعجرفة، بل إنهم لم يتورعوا عن تبرير الدعوة إلى كل أشكال العنف بما فيها تلك التي وقعت في سيناء، مما أظهرهم بمظهر التنظيم الذي يسعى إلى بناء دولته الخاصة، لا المشاركة في تدبير الضائقة المصرية والخروج بالبلاد من عنق الزجاجة.
في خضمّ هذا البلاء العظيم ظهر ما سمي في مصر بـ"الميدان الثالث"، وهم الذين يرون أن إرادة الشعب لم تتحقق بعدُ لا مع الإخوان ولا مع الجيش، وأنّ البلد يعيش ثورة مضادة، ما دامت الأهداف المعلنة للثورة لم تتحقق، بل لا تبدو أنها في طريق التحقق مع أي من القوتين المتصارعتين في الشارع. إنها القوة الشعبية المتبصرة التي تحاول أن تبرز بوضوح أن الديمقراطية لا تبنى بالوصاية، ولا بالقوة والغلبة، ولا بالتحايلات وأشكال الهروب إلى الأمام، بل بالإيمان بالمبادئ التي تحفظ الكرامة للجميع، وتجعل الكلّ يشعر بالانتماء الطبيعي للدولة، وهي المبادئ الكونية للديمقراطية التي مهما غيّبها غبار المعارك الهامشية، فسيعود نورها ليسطع من جديد، لأنه في النهاية لا يصحّ إلا الصحيح.