القائمة

أخبار

دياسبو #393: نسرين القصباوي..العودة إلى الجذور عبر "خيوط أمازيغية"

حين تعود إلى وطنك لا كلاجئ من غربة، بل كحامل لحلم وهوية... تصبح الرحلة أكثر من مجرد انتقال جغرافي. هكذا كانت عودة نسرين القصباوي من الولايات المتحدة إلى المغرب، ليست فقط بحثا عن الانتماء، بل عن صوت ثقافي ينبض في ثنايا الأقمشة، وتصاميم تحمل رسائل جمالية وهوية عميقة. ما بدأ كحاجة شخصية، تحوّل إلى مشروع يحاكي التراث الأمازيغي في قالب عصري، يطمح للعالمية دون أن يتخلى عن جذوره.

نشر
DR
مدة القراءة: 4'

في عام 2009، قررت نسرين القصباوي، المقيمة آنذاك في الولايات المتحدة، أن تحزم حقائبها، ليس في إطار زيارة عائلية عابرة أو عطلة قصيرة، بل لتتخذ قرارا مصيريا بالعودة إلى المغرب، بلد الجذور والانتماء، وبدء فصل جديد يجمع بين هويتها الأمازيغية وشغفها الكبير بعالم الموضة.

نشأت نسرين وسط ثقافتين مختلفتين: المغربية والأمريكية. عاشت طفولتها في مدينة الدار البيضاء، لكنها احتفظت بعلاقة وجدانية قوية مع مدينة الخميسات، مسقط رأس أجدادها الأمازيغ، حيث لا تزال تقاليد تلك الأرض حيّة في ذاكرتها. وفي سنة 2000، انتقلت إلى الولايات المتحدة بعد زواجها، حيث واصلت دراستها وتخصصت في مجال البصريات. غير أن شغفها بالأزياء ظل حاضراً، لتقرر فيما بعد خوض مغامرة العودة إلى أرض الوطن وتأسيس مشروعها الخاص.

من الحاجة الشخصية إلى تمكين التراث: كيف ولدت فكرة المشروع؟

وتروي خلال حديثها مع يابلادي "كنت أدرك أنني لا أعود فقط كمغتربة اختارت الرجوع، بل كامرأة تحمل رؤية ورسالة". لكن الطريق لم يكن مفروشا بالورود. فعند عودتها إلى المغرب، واجهت صعوبات إدارية كثيرة أعاقت انطلاقة مشروعها، كما تطلّب تأقلم أبنائها مع البيئة الجديدة جهدا إضافيا منها كأم.

"لم تكن الأمور سهلة، فقد استغرق تأسيس مشروعي وقتا وجهدا كبيرين. أما تأقلم أطفالي ثقافيا ونفسيا، فكان تحديا بحد ذاته"

نسرين القصباوي

اهتمام نسرين بعالم الموضة لم يكن وليد لحظة، بل ترسّخ في الولايات المتحدة، حيث واجهت صعوبة في العثور على ملابس تجمع بين الذوق الراقي، الراحة، والتميّز، سواء لها أو لبناتها. وتروي قائلة "بدأ الأمر من حاجة شخصية. لم أجد تصاميم تناسبني، فقررت أن أبتكرها بنفسي، ليس فقط لتلبية حاجتي، بل للتعبير عن ذاتي".

وتمثلت أكبر التحديات التي اعترضت طريقها في مرحلة التصنيع، فالتصاميم التي تمزج بين الأصالة الأمازيغية واللمسة العصرية كانت تتطلب مهارات خاصة، لم تكن متوفرة في الولايات المتحدة، ما دفعها إلى إرسال النماذج إلى المغرب وانتظار تنفيذها، وهو ما شكل عائقا في بدايات المشروع.

رغم ذلك، لم تتراجع نسرين، فشغفها العميق وإيمانها بتراثها الأمازيغي دفعاها إلى العودة إلى وطنها الأم وإطلاق علامتها الخاصة "خيوط أمازيغية"، بعد تلقيها تكوينا في مجال التصميم. وتهدف من خلالها إلى إعادة إحياء الرموز الأمازيغية داخل الموضة المعاصرة، ودعم الحرفيين المحليين الذين يحملون هذا التراث اليدوي العريق.

"تصاميمي تحمل رسالة ثقافية، أشعر أنني أشارك في الحفاظ على التراث، وتعزيز الشعور بالانتماء. كما أطمح إلى دعم الحرفيين المحليين ومساعدتهم على الاستمرار".

نسرين القصباوي

تصاميم ليست للزينة فقط… بل لحفظ إرث الأجداد

بالنسبة لنسرين، الموضة أداة قوية للتعبير عن الثقافة الأمازيغية، عبر توظيف الرموز، الزخارف، والألوان التقليدية داخل تصاميم حديثة، تجمع بين الأصالة والابتكار. وهي ترى أن هذه الطريقة تعيد الحياة للتراث وتقربه من جمهور أوسع، سواء داخل المغرب أو خارجه.

كما أن تأثر نسرين بثقافتين مختلفتين، المغربية والأمريكية، منحها منظورا فريدا في تصميم الأزياء. فهي تمزج بين الطابع المغربي والتركيبة العصرية، ما يميز علامتها بطابع خاص. وتحكي قائلة "التنقل بين المغرب وأميركا يساعدني على توسيع السوق، وبناء شبكة مهنية في عالم الأزياء".

وترى المصممة المغربية أن "الأزياء الأمازيغية تُعد جزءا حيّا من الهوية في المغرب، بينما تحظى في الخارج بتقدير كبير كرمز ثقافي وفني يعكس غنى التراث المغربي".

أما طموحها الأكبر، فهو أن ترتقي علامتها إلى مستوى العالمية، لتكون جسرًا بصريًا ينقل عمق الثقافة الأمازيغية إلى العالم، بأسلوب يمزج بين الماضي والمستقبل، والتقاليد والتجديد. ورغم أن نسرين لم تُنشأ في بيئة الثقافة الأمازيغية كما كان الحال مع أجدادها، إلا أن روحها متجذرة فيها وعقلها مرتبط بها، ولم تنقطع صلتها بـ"الخيوط الأمازيغية".

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال