كان أندري مارلو يقول: “الوطن شراكة أحلام”.. هذا ما ذكرني به الزميل حسن طارق، ونحن نتأمل هذه الانفلاتات التي تقع في جنوب البلاد، خاصة مع ما أثير حول مسودة القرار الأمريكي القاضي بتوسيع صلاحيات المينورسو.. إن الذين يأكلون بملاعق طويلة مع الشيطان هم وحدهم من يمكن أن يغمضوا العين بل ويفقؤوها حتى حين تتعرض حقوق الإنسان في أي شبر من تراب الأرض إلى العسف أو أن يمس مواطن ما في أي بقعة من العالم في كرامته وفي الحقوق المخولة إليه باعتباره ينتمي إلى الهوية الإنسانية أولا وأخيرا، لكن القرار الأمريكي المتكئ على حماية حقوق الإنسان في الصحراء هو قرار سياسي، وإلا فأمريكا هي الطاعون والطاعون أمريكا التي تغمض عينيها عن جرائم حقوق الإنسان في إسرائيل وفي العراق الذي أبادت فيه حضارة بكاملها، وليس علينا أن نتمتع بعيون زرقاء اليمامة لنستشرف الأبعاد غير المعلنة للقرار الأمريكي الذي سيقدم لمجلس الأمن الدولي المنعقدة دورته قبل نهاية هذا الشهر، ومنها العودة القوية إلى فرنسا زعيمة القارة العجوز إلى مستعمراتها القديمة خاصة في شمال إفريقيا وشريط محور الساحل، وإلا علينا أن نحفظ الدروس الأولى في الديبلوماسية لنعي توقيت الصفعة التي جاءت بعد زيارة هولاند إلى المغرب وبعد توحيد دول شريط الساحل لقيادة عملية عسكرية في مالي، دون أن ننسى القرار المفاجئ للمغرب برفض استقبال كريستوفر روس بعد إفشال مخططات بيكر أيضا خبير الديبلوماسية الأمريكية.
إن القرار الأمريكي يتعدى أن يكون بالون اختبار ومغازلة من الشرفات لبعض أطراف الصراع في النزاع الإقليمي، أقصد تلك الدول التي تقطر ذهبا أسود.
لكننا لا يمكن أن نعلق كل شيء على مشجب البيت الأبيض الذي سنفيق اليوم على أن أسطورة البلد الأول الذي اعترف باستقلال أمريكا مجرد زبد، إذ في السياسة كما يعلمنا تشرشل ليست هناك صداقات دائمة وإنما هناك مصالح دائمة. فبرغم المجهودات التي بذلتها الدولة منذ تقديم مشروع المقترح الذاتي عام 2007 فإن استمرار سياسة التكتم وعدم إشراك كل الفاعلين السياسيين من حكومة ومعارضة في قضية ظل يعتبرها المغرب مصيرية يُغرق جل الفاعلين في التبعية وفي غياب روح الإبداع والتمركز في اجترار خطاب تقليدي عقيم لم يعد يجدي نفعا في سياق التحولات الدولية، ووجود ثقافة مغايرة لمفهوم السيادة والوطن، وكما يقول كونفيشيوس إذا لم ننجح في تغيير اللغة فلن ننجح في تغيير العالم.
إن الوطن هو شراكة أحلام يقتسمها المنتمون إليه ليتعايشوا باختلافهم وتنوعهم في فضاء مشترك يصبح التعدد والاختلاف فيه رحمة للعالمين ومجلبة للاستقرار والتقدم ، إن حقوق الإنسان لا يمكن أن تكون ضد وحدة الدول ولا يمكن الارتهان لديكتاتورية الأقلية التي تضع نفسها في موقع المظلومية، لذلك على كل الفاعلين أن يعوا أن استكمال وحدة التراب ليست منعزلة عن تنمية البشر وجعله مساهما في صنع القرار ومشاركا في عجلة التنمية، لقد بدأنا تشييد نموذج ديمقراطي يمكن أن يغري جميع أطراف الوطن، بالوحدة والاستقرار، لكن التعثر الذي ظل يصيب عجلات الإصلاح لا يخدم أبدا عملية إحساس كل المواطنين بأنهم ينتمون إلى هذا الوطن كشراكة أحلام، خاصة مع الأطماع المتزايدة في المنطقة والدور الذي تلعبه الجزائر اتكاءا على فائض البترودولار في وضع الكثير من الحصى على طريق التقدم الذي بدأناه.
إن قضية الصحراء لم تعد اليوم قضية أرض أو رقعة جغرافية، بل هي قضية الإنسان الصحراوي حيث تعيش الأسر نوعا من التمزق بسبب احتجاز الآلاف في مخيمات تندوف، علينا أن لا نكتفي بالدفاع عن الرقعة الجغرافية بل عن الإنسان الصحراوي في كل أبعاده، إن وضع أنفسنا في موضع الدفاع جعلنا أمام ديبلوماسية المأزق، لم نسرع انطلاقة تنفيذ جهوية موسعة حقيقية وظل النظام السياسي برغم التقدم الهائل الذي حدث منذ خطاب 9 مارس ممركزا، ولم نع أبعاد التغيرات الديمغرافية والتحولات الاجتماعية الحاصلة في رقعة الوطن، وظلت النخب كسولة تفتقر للإبداع وتابعة للدولة ولم نبدع في المجال الديبلوماسي الخطط الكفيلة لكي نشيد هذا الوطن كشراكة أحلام.