القائمة

الرأي

أنا ضد الحكم الذاتي

عندما نشرتُ الأسبوع الماضي مقالاً بعنوان "أنا ضد الحكم الذاتي" في صفحتي الشخصية، و عرضتُ بعض مقتطفات المبادرة المغربية للحكم الذاتي في "الأقاليم المتنازع عليها" حسب تعريف الأمم المتحدة، كان غرضي من ذلك إظهار مدى تخبط السياسة الخارجية المغربية المخجل في التعامل مع هذه الملف الحساس.

نشر
DR
مدة القراءة: 4'

فعندما نقرأ أن الجزائر تضخ بترو- دولاراتها في جيوب اللوبي الديمقراطي الأمريكي بسخاء، و تحرك ماكينتها السياسية بعقول أعرق مكاتب الاستشارة الأمريكية، و تبعث بشباب تندوف إلى جامعات فرنسا و إسبانيا و كوبا و حتى أمريكا بمنح تزيد عن سبعمائة يورو في الشهر، عندما أقرأ كل هذا و أقرأ في المقابل أن السفارة المغربية في الولايات المتحدة تشتري ود الجمهوريين بكعب غزال و البسطيلة المحشوة بالحمام، أفهم جيداً كيف وصلنا إلى هذا النفق المسدود.

الآن، و بسبب خيبة من بيدهم هذا الملف، أصبحنا تحت رحمة ماما فرنسا صاحبة حق الفيتو بصفتها عضواً دائماً في مجلس الأمن، و استيقظنا كعادتنا متأخرين لنجد أن البساط قد استل من تحت أقدامنا عندما كنا نغط في نوم عميق بين قفشات و سكيتشات وزرائنا المحترمين.

كيف لي، بعد اليوم، أن أصدق وطنية هؤلاء الساسة المنافقين، و بالأمس القريب سمعنا إدريس البصري يتكلم عن "صحراء غربية" بعد أن وجد نفسه معزولاً و مطارداً بل لا يملك حتى جواز سفر، إدريس البصري المسبح بحمد مغربية الصحراء، الذي ظنناه ساعة غفلة، و نحن صغار أغرار، أن دمه فدى هذا الوطن؟

هذا الإفلاس السياسي المبين، الذي يدفع ثمنه الشعب المغربي المرهق و المهان حد الركوع منذ أربعين سنة تقريباً، سببه فئة من الوصوليين احتكروا هذه القضية المصيرية لتحقيق مآربهم الخاصة و التي لا تتقاطع بالضرورة مع مصلحة الوطن.

لقد أصبح من العار أن تستمر الدولة في إغداق كراماتها على فئة خاصة من سكان أقاليمنا الجنوبية استعطافاً لودهم و كأننا في زمن المؤلفة قلوبهم، حتى أمسينا نسمع ب "كوطا" خاصة بهم في لائحة المقبولين في المدارس الوطنية للمهندسين و كليات الطب و الوظيفة العمومية. نعم إنه لمن العار و الخزي أن يعيش تحت سقف بلد واحد مواطنون من درجات متفاوتة، أقول هذا الكلام و بين عيني منظر شرطي مرور رأيته يُسب و يُشتم عندما زرت مدينة الداخلة لأنه تجرأ و أوقف سيارة أحد السكان المحليين المحسوبين على وجهاء القبائل الصحراوية...

و ليست واقعة "أكديم إيزيك" ببعيدة عنا، فكم كان مخزياً أن تضحي القوات المساعدة بأفرادها، فيذبحون و يمثل بجثثهم و يتبول عليها على مرأى و مسمع رؤساءهم و لا يعطى لهم حق الدفاع عن النفس، و هاهي النتيجة التي وصلنا إليها أيها العباقرة.

نعم أنا ضد كل هذه التنازلات و مع الحزم المتزن للحفاظ على وحدتنا الترابية.

فعندما أقرأ مثلاً في مقترح المبادرة المغربية للحكم الذاتي أن:

- السلطة التنفيذية يمارسها في جهة الحكم الذاتي للصحراء رئيس حكومة ينتخبه البرلمان الجهوي وينصبه الملك. و رئيس الحكومة هو ممثل الدولة في الجهة.و يتولى رئيس حكومة جهة الحكم الذاتي للصحراء تشكيل حكومة الجهة، ويعين الموظفين الإداريين الضروريين لمزاولة الاختصاصات الموكولة إليه، بموجب نظام الحكم الذاتي.

" أي بالعربية تاعرابت جوج ديال بنكيرانات، واحد في الشمال واحد في الجنوب."

- يجوز لجهة الحكم الذاتي للصحراء إقامة علاقات تعاون مع جهات أجنبية بهدف تطوير الحوار والتعاون بين الجهات.

أقول إذاً مرحباً بسيادة الدولة في السياسة الداخلية و الخارجية.

الحكم الذاتي يعني أنك إن كنت مغربياً منحدر من مدينة طنجة فلن يحق لك أن تُعَينَ والياً على إقليم الداخلة.

الحكم الذاتي يعني أن الشرطي في مدينة طانطان سيرتدي زياً مختلفاً عن زي الشرطي في مدينة أكادير.

الحكم الذاتي يعني أنك لن ترى و أنت تجوب الساقية الحمراء ذلك الشعار المنقوش على جنبات الهضاب بالجير الأبيض # الله الوطن الملك#

للأسف، إن المتتبع الممعن في تسلسل الأحداث الأخيرة ينتبه أن أياد خفية تحاول تسليط الأضواء الكاشفة على ملف حقوق الإنسان في المغرب و الذي من شأنه أن يغير من معطيات معادلة الصراع الإقليمي الدائر حول الصحراء المغربية. و لو واصل هذا الفرد "المتفرج" الإمعان في خشبة هذا المسرح، و أتيحت له بعض وسائل الإدراك الصحيح لمجرى الأحداث، و رزق موهبة النقد السليم، فإنه سيبصر أن ملف الحكم الذاتي وصل إلى نفق مسدود.

لقد آن الأوان ليختار كل منا خندقه، و دقت ساعة الفصل حيث لا يسأل حميم حميماً...

و ذهبت، إلى غير رجعة، أزمنة أنصاف الرجال المذبذبين بين ذلك، لا إلى هؤلاء و لا إلى هؤلاء...و اندحرت مواقف الوسط خاسئة إلى جحورها...

آن الأوان أن تكون إما مغربياً أو لا تكون...

قال الحسن الثاني يوماً: أن أتنازل عن عرشي أهون لدي من أن أتنازل عن شبر واحد من صحراء المغرب.

و لكم واسع النظر.