في الساحة نساء من كل الأعمار تعرضن أجسادهن للبيع. المكان شبيه بمعرض في الهواء الطلق للأجساد البشرية، كل امرأة تتفنن في إبداء ما حباها به الله من مفاتن للمارة.
فاطمة تجلس لوحدها بجانب الطريق تنظر يمينا ويسارا، وجهها حفرت فيه السنين أخاديد عميقة، تحاول أن تخفيها بكمية كبيرة من المساحيق لكن ملامحها تقول إنها امرأة و لى بها الزمن. تجاعيد تبقى شاهدة على جيل بأكمله تعلم أصول الحرفة على يديها. اقتربت منها و أقرأتها السلام فردت تحيتي بأحسن منها، و بادرت بسرعة إلى الدخول في صلب الموضوع فلا وقت لها لتضيعه معي سألتني "تباصيو ولا تباتو؟".
دعارة الساحات العمومية
تتحول ساحة المسيرة من منتزه للترويح عن الذات، إلى مسرح للباحثين عن متعة عابرة. أو من أجل قضاء ليلة حمراء تؤثثها الخمور و المخدرات و الشيشة. هكذا تحدثت إلي فاطمة التي اشتعل رأسها شيبا، و هي تنظر هنا و هناك عل عينيها الجاحظتين تقعان على زبون جديد متعطش للحم رخيص. طلبت منها أن تخبرني عن الأثمنة فقالت "تباصي 70 درهم راه كاين البيت غير قريب، بغيتي تبات 120 درهم".
نادت على زميلة لها كانت تجلس بعيدا عنها، اسمها سعاد أو هكذا أخبرتني، هي امرأة غير محظوظة لم تجد زبونا الليلة.
وصلت سعاد بلباسها التقليدي المحتشم، جلباب زرقاء اللون، مع غطاء للرأس أبيض اللون، سيدة ضاربة في العمر بلغت من الكبر عتيا. أخبرت فاطمة أنني أريد شابة يافعة، فأجابت و الابتسامة لا تفارق شفتيها، "إلا بغيتي شي وحدة متبتة هاهي سعاد و إلى بغيتي شي وحدة طايرة من المقلى راها دابا ماكيناش كاع خارجات"، أصريت على طلبي فألقت نظرة خاطفة على جنبات الساحة و قالت بصوت فيه نبرة من الحزن بعد أن تنهدت "جيتي معطل"، و أمدتني برقم هاتفها، و أخبرتني أن أتصل بها يوم غد حتى تجلب لي فتاة بالكاد تجاوزت سن الثامنة عشرة.
وراء كل بائعة هوى حكاية
"حنا بوليداتنا، واش بغيتيني نخدم فالقهوة ب 20 درهم لنهار" هكذا بدأت فاطمة تسرد قصتها بعد أن أعطيتها دريهمات قليلة، و اطمأنت إلي.
كانت ترتدي جلبابا أخضر اللون، و رداء فوق رأسها يخفي نصف شعرها الذي غزاه اللون الأبيض. بحسرة و ألم مضت تقول صحيح أننا عاهرات لكننا مجبرات، نأمل أن نترك هذه الحرفة في يوم من الأيام، نعيش في خوف دائم، نخاف أن يداهمنا "صحاب الحال" في أية لحظة.
تواصل فاطمة في سرد حكايتها و علامات الحزن بادية على محياها، أغمضت عينيها و بدأت تسترجع لحظات الأسى التي مرت منها طوال رحلة العذاب مع عالم الدعارة. تذكرت أمها و أبوها و لحظة الطفولة البريئة.
كانت زوجة أبيها تنيط بها أصعب المهام رغم صغرها. فجأة صمتت و قالت دعني لن أكمل الحديث في هذا الموضوع. ألحيت عليها والتقطت أنفاسها و قالت إن الماضي مثخن بالجراح، و فيم ستفيد إعادة سرده.
اضطرت فاطمة بعد وفاة أمها و زواج أبيها إلى مغادرة البيت قبل سنين طويلة إلى المجهول، هي لا تقرأ، لا تكتب و لم تجد بديلا عن بيع جسدها رغما عنها لتؤمن قوت يومها، و قوت أولادها الذين لم تشأ أن تخبرنا عنهم شيئا بعد أن قالت "خلي ديك اجمل راقد".
ساعة حمراء بنكهة العلم و المعرفة
في صباح اليوم التالي اتصلت بفاطمة، فضربت لي موعدا في المساء، ذهبت في الوقت المحدد وجدتها برفقة فتاة في مقتبل العمر.
و أنا أتحدث إليهما، امتطت فتاة أخرى سيارة بعد أن قالت لفاطمة عن بعد "بالسلامة"، امتطت السيارة و توجهت إلى وجهة مجهولة، في الحقيقة هي وجهة معلومة للجميع.
هاهي فتاتك اسمها لمياء، بهذه العبارة تفوهت فاطمة، هي شابة في مقتبل العمر على قدر كبير من الجمال يميزها عن غيرها، تستنجد بملابس تعكس الكثير من مفاتنها، تثير الكثير من المارة، الذين يرمقونها بنظرات حادة حتى تخالهم و كأنهم يريدون نهش جسدها الجميل القد و القوام.
ثمن تلبية نداء الجسد معها ليس كما أخبرتني به فاطمة قبلا، أخبرتها أنه لا ضير و من يهتم بالمال في حضرة هذا الجمال.
ودعنا فاطمة بعد أن منحتها مبلغا من المال، أوصتني خيرا بالفتاة، ذهبت و إياها. تسير في جنبي بمشيتها الرقيقة، تتفنن في تحريك أردافها و نهديها المشدودين إلى خلف ظهرها، المغطى بخصلات شعر أسود اللون.
قصدنا إحدى المقاهي قبل التوجه إلى "البيت المخصص للدعارة" الذي يفترض أن نقضي فيه ساعة من الزمن أو أقل. تجادبت أطراف الحديث معها. لمياء طالبة في كلية العلوم. هي واحدة من طالبات جئن لطلب العلم فوجدن أنفسهن يمتهن أقدم مهنة في التاريخ.
قالت إنها تعلم مصيرها المحتوم، لكن ما باليد حيلة، حكت عن مومسات رمى بهن الزمن على هامش المجتمع، بعد أن فقدن اهتمام العشاق الباحثين عن المتعة، ثم استلت سجارة من النوع الثمين الذي ألفته و بدأت تدخن.
واصلت حديثها و قالت "أنا هكذا مرتاحة، إلى مادرتش هكذا باش غدي نشري الكتب و باش غدي نكري...".
لمياء شابة أطلسية المنشأ، تنحدر من عائلة فقيرة، فقدت أبوها وهي في سن التاسعة، اغتصبت براءتها في سن مبكرة لتجدها دريعة لاقتحام عالم الدعارة، بعد أن ابتعدت عن عائلتها و التحقت بالجامعة.
انهينا احتساء كوب القهوة، و نهضنا كي نتوجه صوب "البيت المخصص للدعارة"، الذي يبعد بمئات الأمتار فقط عن المقهى.
خاص بممارسة الجنس
على بعد أمتار معدودة من "البيت" الذي تعرفه لمياء جيدا، طلبت مني التوقف، فهي شديدة الحرص على أن لا تثير اهتمام الجيران و أخبرتني أن أنتظر إشارتها ثم أصعد الدرج بعد ذلك.
و ماهي إلى دقائق قليلة حتى لوحت لي بيدها من نافدة تطل على الخارج، ولجت الباب صعدت الدرج كما أخبرتني دخلت المنزل به ثلاثة غرف، قصدنا غرفة على اليمين.
على جنب الباب واقيات ذكرية تشهد على أشخاص مروا من هنا قبل أن نلج الغرفة، أفرشة بالية متناثرة بشكل غير منظم عليها بقع كثيرة دائرية الشكل سوداء اللون.
أخبرت لمياء بغايتي الحقيقية وهي إنجاز عمل صحفي لم تتقبل الأمر و بدأت تصيح من الغضب، حاولت أن أهدئ من روعها لكنها لم تعرني اهتماما، ربما لأني حولت نصف يومها من أحمر ماجن، إلى أبيض لا شيء فيه... لم تشأ أن تخبرني شيئا، انصرفت تحت صراخها ووعيدها دون أن أتلفت ورائي...