القائمة

الرأي

نصيحة من أردوغان إلى بنكيران

قال أمير الله إيشلر، عضو البرلمان التركي، في ندوة: «العالم العربي في مرحلة انتقالية»: «أتعرفون ما الذي أنجح رجب طيب أردوغان وحزبه ذا الخلفية الإسلامية طوال عشر سنوات من الحكم»؟ ويجيب: «ما أنجحه هو ابتعاده عن الشعارات، وتوجهه في المقابل إلى حل مشاكل البلاد الفعلية، وتعزيز وضعها الاقتصادي، ورفع مستوى معيشة مواطنيها». وأضاف البرلماني التركي، الذي عمل أيضا لفترة مستشارا لأردوغان: «عندما كنا في المعارضة كانت الأضواء مسلطة على ما نقوله، الآن، ونحن في الحكومة، أصبحت الأضواء مسلطة على ما نفعله».

نشر
DR
مدة القراءة: 4'

الأيام والأسابيع والأشهر تمر بسرعة، وحكومة بنكيران مازالت لم تجد طريقها إلى وضع مشروع اقتصادي واجتماعي طموح يحمل البلاد على متن قطار سريع نحو التنمية، عوض أن تبقى مجرورة على متن عربات البغال والحمير كما هو واقع حالها الآن. مازالت الحكومة تدبر الشأن العام بعقلية الاستمرارية وليس القطيعة.. بأسلوب تدبير الشأن الجاري وليس بأسلوب تغيير الوضع. مازالت الشعارات والخطب والبوليميك لم تفسح المجال للعمل المنظم والذكي للإبداع الذي يبحث عن حلول غير تقليدية لمشاكل كبيرة تراكمت فوق ظهر المملكة لعقود من الزمن.

صحيح أن الحكومة لها نوايا طيبة، وإلى الآن أيديها نظيفة، لكن هذا غير كاف. رئيس الحكومة مازال يتصرف كزعيم للمعارضة تارة، وكرئيس حملة انتخابية لا تنتهي تارة أخرى. وعندما يفتح الله عليه بفكرة أو مشروع يتركه وينتقل إلى موضوع آخر عند أول عقبة تعترض طريقه. إنه مفاوض سيئ، ولا يملك الصبر والإصرار للدفاع عن مشاريعه، كما لا يملك فريق عمل كبيرا ومختصا. سعيه المبالغ فيه نحو التوافق يقتل السياسة في يده. أكثر من هذا، لم يعد بنكيران يسمع لأحد غير المقربين منه، وعلى رأسهم وزير الدولة، عبد الله بها، الذي يعتبر أن مشروع الإصلاح يمكن أن يمشي بدون سلطة وبدون قرار وبدون تشبث بالدستور، فقط بحسن النية ودوران عقارب الساعة حتى يتسرب الاطمئنان إلى نفوس الجميع. حزب المصباح يعيش على الاعتقاد بالضعف الأبدي للمعارضة، وغياب البديل لدى الدولة عن الحزب الذي يقود الحكومة الآن، وهذا فخ سياسي ونفسي خطير لأن المعارضة الحقيقية لا توجد في البرلمان بل في الشارع.

إصلاح صندوق المقاصة توقف لأسباب غير معروفة إلى الآن، وإجراء الانتخابات الجماعية موجل إلى وقت غير معروف فقط لأن السيد بنكيران لم ينجح في حمل حلفائه وخصومه على احترام الدستور. الإدارة تمارس مقاومة غير طبيعية، وخاصة في المالية، لتعطيل عجلة الاقتصاد. الإعلام الرسمي خارج السيطرة، ويمارس لعبة خلط الأوراق. البرلمان إنتاجه التشريعي متواضع جداً. المقاولات الصغرى والمتوسطة تعاني في صمت، وبعضها يحتضر، والحكومة تتفرج عليها، وإذا ما أشفقت عليها لا تزيد على الدعاء لها. التعليم أصبح لعبة في يد وزير يحتاج إلى أن يعرض نفسه على أقرب طبيب نفسي من محل سكناه، والذي يدفع الثمن هو المدرسة العمومية. ملف التشغيل أصبح يختزل في إجراء المباريات بشكل شفاف حول مناصب الإدارة المحدودة، فيما المشكل أعقد ألف مرة من تنظيم مباريات متكافئة حول بضعة آلاف من مناصب الشغل في الإدارة. التشغيل يحتاج إلى مشاريع كبيرة لتحريك عجلة الاقتصاد، وخلق مئات الآلاف من فرص الشغل سنويا لتغطية الطلب الكبير على العمل.

ليخرج بنكيران إلى المدارس ويسأل عن أحوالها، وليطرق باب المقاولات ويسأل عن صحتها، ليطلع على تقرير التنمية البشرية للأمم المتحدة الأخير ليرى صورة البلاد بلا ماكياج.

نعرف ويعرف الجميع أن مشاكل البلاد كبيرة ومعقدة، وأن الذين حكموا قبل بنكيران لم يكونوا أفضل حالا منه، وأن مدة 15 شهرا مدة غير كافية للحكم النهائي، وأن المعارضة التي تنتقد بنكيران مازالت لم تمح من أيديها بعد آثار الاختلالات التي قادت البلاد إلى ما هي عليه الآن. كل هذا معروف، لكن حزب العدالة والتنمية عندما تقدم إلى الانتخابات وقبل تشكيل الحكومة كان يعرف أحوال البلاد، وهو لم يتقدم ليحكم مغربا آخر غير هذا الذي وجده أمامه. ولهذا لا يمكن لبنكيران أن يعلق تردده وارتباكه على مشجب من سبقوه إلى أجل غير مسمى، وأن يستمر في الاعتقاد بأنه يقود حكومة معارضة، كما قال مؤخراً بالبيضاء. «أنت في الحكم وليست في المعارضة، يا سيد بنكيران».

الحكم رحلة شاقة نحو التغيير واستعداد كبير لإصلاح أخطاء السابقين، وليس نزهة خفيفة في فصل الربيع. حكومة بنكيران وضعت قانونين ماليين، وبقي لها ثلاثة، أي أن 40 في المائة من تصورها الاقتصادي والمالي معروض أمامنا اليوم ونستطيع أن نحكم عليه (حكما ابتدائيا على الأقل)، ولا يمكن أن يقول لنا بنكيران: انتظروني إلى عشية نهاية ولايتي الحكومية لتحكموا على حصيلتي.

تحسين أوضاع الناس هو معيار النجاح أو الإخفاق، وأوضاع الناس شمس لا يستطيع أي غربال تغطية أشعتها عاجلا أم آجلا. انتهى الكلام.

منبر

توفيق بوعشرين
صحافي
توفيق بوعشرين