القائمة

أخبار

سلّو: طبق أمازيغي يزدهر مع اقتراب شهر رمضان

عند التقاء التاريخ والثقافة وفنون الطهي، يجسّد "سلّو" مزيجا حضاريا فريدا في المغرب، بجذور أمازيغية عميقة. يعتمد هذا التحضير التقليدي على الحبوب والعسل، وقد قدِّم لأول مرة كتحلية في بلاط المرابطين. ومنذ ذلك الحين، شهد "سلّو" تطورا ملحوظا بفعل تغيرات أنماط الاستهلاك والتكيف مع مختلف التأثيرات المحلية والأندلسية والعربية-الشرقية.

نشر
DR
مدة القراءة: 4'

يرتبط شهر رمضان بالروحانية، لكنه أيضا يمثل فرصة للعودة إلى العادات الغذائية الأصيلة. وقبل أن يتحول هذا الشهر إلى موسم للاستهلاك المفرط والهدر الغذائي، كان يجسد فلسفة تجمع بين صفاء الروح وتوازن الجسد، وهو ما انعكس في العادات التعبدية وكذلك في وجبات الطعام. لهذا السبب، حرص الأجداد على أن تكون مائدة رمضان متواضعة ولكن غنية بالعناصر الغذائية الأساسية. وقد ركزوا على تحضير أطعمة بسيطة ولكن مشبعة، تدعم صحة الصائم خلال فترة الامتناع عن الطعام.

تشير العادات الغذائية القديمة إلى كيفية تكيّف الأطعمة مع ظروف مختلفة، مثل فترات القحط، والأسفار الطويلة، وتوفر المواد الغذائية أو ندرتها، إضافة إلى الاهتمام بتوزيع المخزون الغذائي بعدالة بين أفراد المجتمع. وقد تأثرت هذه العادات بالموروثات الحضارية والبيئية، مما يظهر تأثير التحولات التاريخية والسياسية على تقاليد الطهي المحلية.

في الثقافة الأمازيغية المغربية، كان هذا النهج الغذائي واضحا في أطباق بسيطة تظهر بشكل احتفالي في أوقات الرخاء، وتعد بشكل أساسي خلال فترات الندرة. من بين هذه الأطباق "الزّميتة"، التي ترتبط بمناسبات مثل الولادة، ورأس السنة الأمازيغية (ينّاير)، وشهر رمضان. كما ينطبق هذا الأمر على "سلّو"، الذي يعتبر تحضيرا أكثر تفصيلا ولكن قائما على نفس الأسس.

على الرغم من أن المصادر التاريخية لا تحدد بدقة أصل "سلّو"، إلا أنها تجمع على أن هذه الوصفة كانت شائعة بين الأمازيغ منذ قرون، وتتبع نفس تقنيات التحضير. وتشمل هذه العملية تحميص الحبوب، وطحنها إلى دقيق، وخلطها بالعسل والسمن، مع إضافة مكونات مثل اللوز والفواكه الجافة. وقد عرف "سلّو" كتحلية فاخرة تقدّم في قصور المرابطين بين عامي 1040 و1147.

في القرن الثاني عشر، قدم الشريف الإدريسي -رائد علم الجغرافيا- أحد أقدم التوثيقات المكتوبة حول "سلّو"، واصفا طريقة تحضيره بتفاصيل دقيقة. ففي كتابه الشهير "نزهة المشتاق في اختراق الآفاق" الذي ألف في صقلية عام 1154، أشار الإدريسي إلى أن مصطلح "سلّو" مشتق من الكلمة الأمازيغية "إسلي"، وأوضح أن هذه الوصفة كانت معروفة لدى قبائل صنهاجة.

وصف الإدريسي عملية تحميص البذور، وطحنها، ونخل الدقيق، وخلط المكونات الجافة بالعسل والسمن. وأكد أن هذا الأسلوب ظل محافظا على شكله الأساسي عبر القرون، ونقل عبر الأجيال رغم محدودية التوثيق.

أشار الإدريسي أيضا إلى أن "سلّو" كان معروفا بقيمته الغذائية العالية، حيث يكفي تناول قبضة صغيرة منه مع الحليب الرائب لإمداد الجسم بالطاقة طوال اليوم. وقد لاحظ انتشار هذه الوصفة في مناطق سوس وواد نون، ما يؤكد وجودها لدى كل من القبائل المستقرة والرحل.

تأثرت الوصفات التقليدية في المغرب بالتفاعل الثقافي بين التقاليد الأمازيغية والأندلسية والعربية-الشرقية، مما أضفى على المطبخ المغربي تنوعا وثراء فريدا. ومع توسع الإمبراطورية المرابطية في الأندلس، ثم وصول العائلات المسلمة واليهودية إلى شمال إفريقيا بعد سقوط الأندلس (Reconquista) بين عامي 722 و1492، تطورت الوصفات التقليدية وأصبحت أكثر تعقيدا.

وكان للموسيقي الأندلسي زرياب دور محوري في نشر ثقافة الولائم الفاخرة وإدخال تقاليد غذائية جديدة. ولم يكن تأثيره محصورا في الموسيقى فحسب، بل امتد أيضا إلى فنون الطهي، حيث ساهم في تطوير الأطباق الحلوة والحلوة-المالحة، مما أضفى على المطبخ المغربي لمسة من الرقي والأناقة.

بفعل هذا التداخل الثقافي، تطورت وصفة "سلّو" من مكوناتها الأساسية (الحبوب والعسل) إلى تركيبة أكثر ثراء تضم اللوز، والسمسم، واليانسون، والتوابل المختلفة، وأحيانا الصمغ العربي. وتجمع هذه التحلية التقليدية بين المذاق الشهي والفوائد الغذائية العالية، مما يجعلها عنصرا أساسيا في موائد رمضان.

وبالنظر إلى الامتداد الجغرافي الواسع للعادات الغذائية المشتركة بين شعوب المنطقة، فإن وصفات مماثلة لـ"سلّو" توجد أيضا في بلدان الجوار، مثل الجزائر وتونس وليبيا، حيث تستمر هذه التقاليد في التعبير عن التراث المشترك والهوية الثقافية الأصيلة.

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال