القائمة

أخبار

دياسبو#357: طارق الكحودي.. عندما تتفوق البصيرة على البصر

تعكس قصة طارق الكحودي مثالًا حيًا عن القوة والعزيمة في مواجهة التحديات. وُلد طارق بإعاقة بصرية، لكنه لم يدع هذا العائق يمنعه من تحقيق أحلامه. بل، حول هذه التحديات إلى دافع قوي، ليصبح مهندسًا ناجحًا ومؤسسًا لمنظمة LIFE، التي تقدم الدعم للمحتاجين في أكثر من 25 دولة. من خلال تفانيه وعزيمته، أظهر طارق إنجازات كبيرة في العمل الخيري، خاصة بعد الزلزال الذي ضرب المغرب.

نشر
DR
مدة القراءة: 6'

" البصر يبلغ حدوده ويدرك عجزه وقصوره، أما البصيرة فلا حدود لها " هذا على الأقل ما يمكنك استنتاجه من خلال قصة طارق ‏الكحودي الفرنسي من أصل مغربي، الذي وُلد وهو يواجه ظلام الإعاقة البصرية، حيث يُدرك 1/10 فقط بعين واحدة. لكن في قلبه شعلة من الإصرار تضيء له الطريق نحو العطاء والخير.

ولد طارق بمدينة نانتير الفرنسية، بإعاقة على مستوى النظر، وقال خلال حديثه مع يابلادي بنبرة يملأها الرضى بقضاء الله وقدره "كنت أعاني منذ صغري من نقص حاد في النظر. في ذلك الوقت، أخبر الأطباء والديَّ أنه سيكون من الصعب أن أعيش حياتي الدراسية بشكل طبيعي، وأنه سيكون من الصعب اختيار مجموعة من التخصصات الدراسية، بما في ذلك المعلوميات، كما كانوا يرجحون فرضية فقداني للبصر بشكل نهائي".

شكّل هذا الأمر تحديًا بالنسبة لطارق، مما دفعه إلى اختيار شعبة هندسة المعلوماتيات. وقال "صحيح أن هذا المجال مربح، لكنني اخترته أيضًا لأبرهن للجميع أنني قادر على تحقيق أهدافي".

في عام 1998، حصل على شهادة البكالوريا، ثم شهادة التقني العالي (BTS) في مجال البرمجيات. في عام 2002 بدأ طارق مسيرته المهنية كمطور برمجيات في إحدى الشركات، وفي غضون ثلاث سنوات، تمكن من أن يصبح مهندسًا في مجال تكنولوجيا المعلومات، "وذلك بفضل التعلم الذاتي واكتساب الخبرة العملية". وبفضل عزيمته، استطاع الشاب المغربي أن يرتقي بسرعة، ليعمل مع شركات بارزة مثل "أورنج"، بالإضافة إلى وزارتي الدفاع والداخلية الفرنسية. وأوضح قائلا " كنت أعمل على حاسوب عادي، لكنني كنت أقوم بتعديله ليناسب احتياجاتي، مثل تكبير حجم الكتابة وتعديل الإضاءة".

رغم نجاحاته، إلا أن طارق توقف عن الشعور بطعم النجاح. من خلال رغبته في المشاركة وخدمة القضايا الإنسانية، شعر بضرورة توظيف مهاراته في خدمة المجتمع. في بداية عام 2009، التقى طارق بستيف، مؤسس جمعية LIFE، وقرر الانخراط كمتطوع في الجمعية الخيرية التي كانت آنذاك مجرد مبادرة محلية، وذلك بالتوازي مع وظيفته.

آنذاك، كانت الجمعية تكرّس جهودها لخدمة المجتمعات المحتاجة من خلال توزيع الطعام والأغطية وغيرها من المواد الأساسية. وبعد ذلك، توسعت أنشطتها لتشمل أكثر من 25 دولة، حيث انتقلت إلى حفر آبار في مجموعة من البلدان الإفريقية لتأمين المياه الصالحة للشرب للسكان المحتاجين.

ويحكي طارق الذي تعود أًصوله إلى مدينة بركان بفخر "بعد 13 عامًا، تطورت تلك الجمعية المتواضعة التي كان يقودها متطوعون فقط لتصبح منظمة غير حكومية عالمية" وتضم حاليًا فريقًا مكونًا من 40 موظفًا حول العالم، بما في ذلك فرنسا والمغرب والسنغال ومالي ولبنان وغزة وبنغلاديش وغيرها. وتحظى الجمعية بدعم أكثر من 180 ألف متبرع، مما دفعها لتوسيع نطاق عملها ليشمل مشاريع متنوعة مثل توفير المياه الصالحة للشرب، وتحسين الصرف الصحي والنظافة، والتعليم، والأمن الغذائي، وحماية البيئة. وقد تجاوز عدد المشاريع المنفذة في هذه المجالات 4000 مشروع حتى الآن.

"لحدود اليوم قمنا بحفر 348 بئرًا مجهزة بمضخات يدوية، وإنشاء 50 خزان مياه صغير، بالإضافة إلى إنجاز 7 آبار مع خزانات مائية تعمل بالطاقة الشمسية، وفيما يتعلق بالتعليم، قمنا بتوزيع 200 دراجة هوائية، والمساهمة في تمدرس 7880 شخصًا بين بالغين وأطفال، وتوزيع 1730 حقيبة مدرسية"

طارق الكحودي

في عام 2016، قرر طارق البالغ حاليا 47عاما، ترك وظيفته كمهندس ليبدأ مسيرته في ريادة الأعمال، وقام بتأسيس مطعم مع إخوته، سعيًا لتحقيق مرونة أكبر وتخصيص المزيد من الوقت والطاقة لمنظمة LIFE. وفي عام 2021، تفرغ بشكل كامل للمنظمة الخيرية وأصبح موظفًا بدوام كامل، ليتولى منصب الرئيس في شتنبر 2022.

انطلاق أعمال المنظمة الخيرية في المغرب

وسعيا منه لتقديم المساعدة لبلده أيضا، قام طارق عام 2017، بالتعاون مع "جمعية زاكورة" ببناء مدرسة في إحدى الجبال الواقعة ضواحي تارودانت، "وهو أول مشروع لنا في المغرب".و في عام 2019، قرر الاستقرار في مدينة طنجة، "حيث بدأنا العمل مع جمعية دارنا، وتخصصنا في توزيع الطعام على التلاميذ في بعض المدارس العمومية".

إلى جانب مجموعة من المساعدات التي قدمتها المنظمة في مختلف المناطق المغربية، تظل "أقوى المساعدات والمشاريع التي قمنا بها هي تلك التي تلت الزلزال في شتنبر 2023".

"توجهنا بعد ساعات من حدوث الكارثة إلى عين المكان، وأطلقنا حملة لجمع التبرعات، وتمكنا بالفعل من جمع مليون أورو، حيث قمنا بتوزيع الطعام والأغطية والمواد الأساسية. بعد ذلك، وبتنسيق مع السلطات المحلية، بدأنا في بناء مدارس من الخشب لضمان عودة التلاميذ بسرعة إلى المدارس. اخترنا الخشب لأننا أردنا الحفاظ على طبيعة المكان. وقد تمكنا من بناء 12 مدرسة في مدة شهر من وقوع الزلزال"

طارق الكحودي

وبعد ذلك، جاءت فكرة مشروع آخر، وهو الشروع في بناء منازل أمام كل مدرسة لفائدة الأساتذة الذين يشرفون على تدريس التلاميذ والذين ينحدرون من مناطق مختلفة. وقال طارق "بدأنا ببناء منازل مسبقة الصنع من ألواح السندويش، وواصلنا بناء مدارس أخرى. بعد ذلك، انتقلنا إلى بناء المساكن، حيث تمكنا من بناء 1800 منزل مسبق الصنع من ألواح السندويش، والتي قمنا بتزويدها بالماء والكهرباء، وذلك بالتعاون مع 'جمعية ولاد الخير' من مراكش، التي قدمت بدورها المساعدة في هذه العملية".

ولم تتوقف المنظمة عند هذا الحد؛ فعلى الرغم من استكمال عملية البناء، عادت مرة أخرى إلى المنطقة خلال شهر رمضان الماضي، حيث شرعت في توزيع الطعام على السكان المتضررين من الزلزال، الذين كان بعضهم لا يزال يعيش في الخيام.

"لم أندم على ترك مجال الهندسة، حياتي تغيرت 360 درجة منذ دخولي ميدان الأعمال الخيرية. أشعر بالقوة؛ صحيح أننا نحن من نساعد الناس، لكن في الحقيقة، ابتسامتهم ودعواتهم لنا تمدنا بقوة لا توصف. إنهم يعلموننا درسًا كبيرًا؛ فعلى الرغم من وضعهم الاجتماعي، إلا أن الابتسامة لا تفارق وجوههم، على عكسنا نحن الذين لدينا كل ما كنا نحلم به".

أصبحت نجاحات طارق وأعماله الخيرية مصدر فخر لعائلته. ويحكي بتأثر عن إحدى ذكرياته مع والدته، قائلاً: 'لا تزال والدتي تتذكر حديث رجل مسن عندما كنت في الثانية من عمري، كنا في عطلة في إمنتانوت، حيث تنحدر هي. كنت أضع نظارات كبيرة، وكانت تنظر إلي بحزن. نظرتها الحزينة لفتت انتباه رجل مسن، فقال لها بالحرف: "لا تحزني ولا تقلقي عليه، سيصبح شخصًا مهمًا وسينجح" ولحدود اليوم فكلما حقق نجاحًا، تتذكر والدته كلمات ذلك الرجل المسن وتبكي.

وأنهى طارق حديثه معنا قائلا "عندما يأخذ الله منا شيئًا، يُعوضنا بشيء أفضل". هذه العبارة ليست مجرد حديث، بل هي فلسفة حياة يُؤمن بها ويعيشها. هو لا يرى بعينيه، لكنه يرى بعين القلب، حيث تتألق قيم الإنسانية والعطاء.

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال