القائمة

أخبار

قضية الصحراء: مكاسب متواصلة لمقترح "الحكم الذاتي" منذ 2007

حملت السنوات الأخيرة أخبار سارة للمغرب بخصوص نزاع الصحراء، إذ غيرت العديد من القوى الدولية الفاعلة مواقفها، وأكدت علنا دعمها لمقترح الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب سنة 2007، وذلك بالتزامن مع استمرار محاولات المبعوث الشخصي للأمين العام المتحدة للصحراء، ستيفان دي ميستورا لإحياء المفاوضات المتوقفة بين أطراف النزاع.

نشر
DR
مدة القراءة: 6'

في 30 يوليوز من سنة 2006، أعلن الملك محمد السادس في خطاب العرش، عن قرار المغرب تقديم مبادرة للحكم الذاتي للصحراء، في إطار سيادة المملكة ووحدتها الترابية، باعتباره حلا لنزاع الصحراء الغربية الذي عمر لعقود طويلة، وتوجيه كل جهود المغرب "وطاقاته لمسيرة التنمية الشاملة، وللدفع ببناء الاتحاد المغاربي، كخيار لا محيد عنه، بوصفه من صميم الحكمة، ومنطق التاريخ وحتمية المستقبل."

وفي 11 أبريل من سنة 2007، سلم السفير المندوب الدائم للمملكة المغربية لدى الأمم المتحدة، مصطفى ساهل، بنيويورك إلى الأمين العام الأممي بان كي مون، نص المبادرة المغربية. وفي 13 أبريل 2007، أكد الأمين العام في تقريره الذي حمل رقم (S/2007/202) أنه توصل بالمبادرة المغربية، وأوصى بأن يدعو مجلس الأمن المغرب وجبهة البوليساريو للدخول في مفاوضات مباشرة ومن دون شروط مسبقة.

ولا تزال المبادرة المغربية تفرض نفسها بقوة أثناء مناقشة النزاع في المحافل الدولية، وخصوصا بمجلس الأمن الدولي.

وظل المغرب متمسكا باعتبار الحكم الذاتي إطار واحدا ووحيدا للتفاوض مع جبهة البوليساريو، وأنه أقصى ما يمكن أن يقبل به.

خلاف بين الدول العظمى وترحيب بالجهود المغربية

ونهاية أبريل 2007، ناقش مجلس الأمن الدولي نزاع الصحراء، وقدمت جبهة البوليساريو مقترحا موازيا للمقترح المغربي، يقوم على الاستفتاء وتقرير المصير، غير أنه ظل مقترحا هامشيا إلى أن تم نسيانه بشكل نهائي.

وساد آنذاك الانقسام بين أعضاء المجلس، واتهم ممثل جنوب إفريقيا، فرنسا والولايات المتحدة،  بالسعي للترويج للمقترح المغربي لحل النزاع على حساب مقترح جبهة البوليساريو.

وجاء في القرار الأممي رقم 1754 الذي تم اتخاذه بالإجماع، أن المجلس "يأخذ علماً بالمقترح المغربي المقدم إلى الأمين العام في 11 أبريل 2007، ويرحب بالجهود المغربية الجادة والموثوقة لدفع العملية إلى الأمام نحو الحل".

وفي أبريل من سنة 2008 قال المبعوث الأممي للصحراء الهولندي بيتر فان فالسوم، أمام أعضاء مجلس الأمن إن خيار إقامة دولة جديدة في الصحراء "ليس واقعيا"، وتحدث في تصريحات إعلامية عن "مخاطر إعطاء البوليساريو أملا كاذبا بتشجيعها على تجاهل حقيقة أن مجلس الأمن قال بوضوح منذ 1975 إنه لا يمكنه قبول حل غير توافقي".

وأضاف أن هذا الأمل الكاذب هو تحديدا ما استمرت أطراف في تشجيع البوليساريو على التمسك به، وتحدث عن شعور متزايد بأن الحركة، بإصرارها على استقلال كامل، عمقت المأزق دون قصد، وأبدى أمله في أن تقبل حلا أقل من الاستقلال يجلب لها دعما دوليا واسعا للضمانات التي ستطالب بها، في إشارة منه للحكم الذاتي.

وظل القاسم المشترك بين قرارات مجلس الأمن منذ سنة 2007، هو الإشادة بالجهود الجادة وذات المصداقية التي يبذلها المغرب للتوصل إلى حل للنزاع، والتأكيد على أهمية المبادرة المغربية للحكم الذاتي، وضرورة البحث عن حل توافقي، مع تجنب الإشارة إلى موقف جبهة البوليساريو وحلفائها، والمتمثل في إجراء استفتاء لتقرير المصير.

من الإشادة بالمقترح إلى اعتباره الحل الوحيد

وأحدث المقترح المغربي نقطة تحول مهمة في تاريخ النزاع المستمر منذ منتصف السبعينات، ومع توالي السنوات بدأت دول كثيرة تعبر عن دعمها للمقترح، بل وقررت أخرى دعم السيادة المغربية على الصحراء.

وكانت الولايات المتحدة الأمريكية، أول دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن، تنتقل من الإشادة بالمقترح المغربي، إلى الاعتراف الصريح بسيادة المغرب على الصحراء، في إطار الاتفاق الثلاثي بين الرباط وواشنطن وتل أبيب في دجنبر 2020.

ومع ترك دونالد ترامب المحسوب على الجمهوريين سدة الحكم، لصالح الديمقراطي جو بايدن، راهنت الجزائر وجبهة البولياسريو على تغيير واشنطن مجدد لموقفها، غير أن ذلك لم يتم، إذ أكدت الإدارة الديمقراطية عدم تغيير موقف واشنطن من النزاع.

ويوم 30 يوليوز الماضي، وعلى غرار الولايات المتحدة، انتقلت فرنسا من اعتبار المقترح المغربي "بناء وجادا" إلى اعتباره الحل الوحيد الممكن للنزاع تحت السيادة المغربية.

بدورها بدأت بريطانيا تقترب شيئا فشيئا من المغرب في نزاع الصحراء، وتمهيدا لخروجها رسميا من الاتحاد الأوروبي، وقعت يوم 26 أكتوبر 2019، اتفاقية للشراكة تشمل الصحراء.

وفي ماي 2023، قضت محكمة الاستئناف في لندن، برفض نهائي لطلب استئناف تقدمت به منظمة غير حكومية داعمة لجبهة البوليساريو لإبطال الاتفاق بين البلدين. وفي شهر ماي الماضي طالب برلمانيون بريطانيون حكومة بلادهم بإعلان دعمها لمقترح الحكم الذاتي المغربي للصحراء، وأشاروا في رسالة موجهة إلى وزير الشؤون الخارجية، إلى أن المغرب حليف موثوق لبلادهم، ودولة محورية في استتباب الأمن والسلم في المنطقة.

بالمقابل تلتزم الصين الحياد بخصوص نزاع الصحراء، وتفضل تغليب المصالح الاقتصادية والسياسية، حيث تكتفي بيكين بتأييد حل سياسي مقبول من جميع الأطراف، وتتجنب دعوة البولياسريو لقمتها مع إفريقيا.

وبخصوص روسيا، ورغم أنها تستبعد البوليساريو من قمتها مع إفريقيا، إلا أنها تتجنب إغضاب الجزائر التي تعد أبرز حليف لها في شمال القارة الإفريقية، وغالبا ما تمتنع عن التصويت على قرارات مجلس الأمن الدولي، وتتهم قراراته بـ"الانحياز للمغرب".

دعم من خارج مجلس الأمن وقنصليات في الصحراء

ومن خارج مجلس الأمن الدولي باتت المبادرة المغربية تحظى بتأييد واسع، ففي يناير 2022، بعث من رئيس جمهورية ألمانيا الاتحادية فرانك فالتر شتاينماير، رسالة إلى الملك محمد السادس أكد فيها أن بلاده "تعتبر مخطط الحكم الذاتي الذي قدم في سنة 2007 بمثابة جهود جادة وذات مصداقية من قبل المغرب، وأساس جيد للتوصل الى اتفاق" لهذا النزاع الاقليمي.

بدورها انتقلت إسبانيا المستعمر لسابق للإقليم، من دعم المسار الأممي، والحديث عن حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، إلى دعم مقترح الحكم الذاتي، ففي مارس 2022 قال رئيس الوزراء بيدرو سانشيز في رسالة موجهة إلى الملك محمد السادس إن بلاده تعتبر "مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب سنة 2007 بمثابة الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية الخلاف".

كما اعترفت مدريد في أبريل 2024، في بيان مشترك تلا القمة التي جمعت الملك محمد السادس ببيدرو سانشيز "بأهمية قضية الصحراء بالنسبة للمغرب، وبالجهود الجادة وذات المصداقية للمغرب في إطار الأمم المتحدة لإيجاد حل متوافق بشأنه".

وبالإضافة إلى ذلك، سبق للعديد من الدول الأوروبية أن عبرت عن دعمها للمقترح المغربي كهولندا وبلجيكا والتشيك...، وسبق لوزير الخارجية ناصر بوريطة أن قال في أكتوبر 2023 "أصبح 14 بلدا عضوا في الاتحاد الأوروبي يدعمون ويثمنون مخطط الحكم الذاتي وذلك بفضل الجهود التي ما فتئ يبذلها صاحب الجلالة الملك محمد السادس".

وفي آسيا سبق لليابان أن أعربت في ماي الماضي، عن تقديرها "لجهود المغرب الجادة وذات المصداقية" في إطار مبادرة الحكم الذاتي من أجل تسوية قضية الصحراء المغربية.

وإلى جانب ذلك، قررت دول التعبير عن اعترافها بمغربية الصحراء، عن طريق فتح قنصليات في مدينتي العيون والداخلة، حيث تم افتتاح 16 قنصلية في الداخلة، و12 قنصلية في العيون، وهو ما كانت تقابله الجزئر والبوليساريو بالاحتجاج.

تفاضيل مقترح الحكم الذاتي المغربي

يتكون المشروع المغربي من 35 مادة، ويؤكد في مادته الثامنة أن نظام الحكم الذاتي، المنبثق عن المفاوضات يخضع "لاستشارة استفتائية للسكان المعنيين، طبقا لمبدأ تقرير المصير ولأحكام ميثاق الأمم المتحدة".

وتنص المبادرة في مادتها الثانية عشرة على توفر الإقليم على إدارة محلية وشرطة محلية ومحاكم جهوية. ويؤكد المقترح في مادته الرابعة عشرة، على أن الدولة تحتفظ باختصاصات حصرية، خاصة منها "مقومات السيادة، لا سيما العلم والنشيد الوطني والعملة، المقومات المرتبطة بالاختصاصات الدستورية والدينية للملك، بصفته أمير المؤمنين والضامن لحرية ممارسة الشعائر الدينية وللحريات الفردية والجماعية، والأمن الوطني والدفاع الخارجي والوحدة الترابية، العلاقات الخارجية والنظام القضائي للمملكة".

وسيكون للصحراء بحسب مبادرة الحكم الذاتي برلمان يتكون "من أعضاء منتخبين من طرف مختلف القبائل الصحراوية، وكذا من أعضاء منتخبين بالاقتراع العام المباشر من طرف مجموع سكان الجهة"، كما سيكون بإمكان الإقليم انتخاب رئيس حكومة من قبل البرلمان الجهوي، وينصبه الملك بعد ذلك.

وسيكون بإمكان البرلمان الجهوي بحسب ما تنص عليه المادة 22 إحداث محاكم تتولى "البث في المنازعات الناشئة عن تطبيق الضوابط التي تضعها الهيئات المختصة لجهة الحكم الذاتي للصحراء. وتصدر هذه المحاكم أحكامها بكامل الاستقلالية وباسم الملك".

وتعهد المغرب في المادة 29 بمراجعة "الدستور المغربي وإدراج نظام الحكم الذاتي فيه، ضمانا لاستقرار هذا النظام وإحلاله المكانة الخاصة واللائقة به داخل المنظومة القانونية للمملكة".

كما تعهدت المملكة في المادة 30 باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة من أجل "إدماج الأشخاص الذين تتم عودتهم إلى الوطن إدماجا تاما في حظيرته، وذلك في ظل ظروف تكفل الحفاظ على كرامتهم وسلامتهم وحماية ممتلكاتهم".

وسيصدر المغرب بحسب المادة 31 "عفوا شاملا يستبعد أي متابعة أو توقيف، أو اعتقال أو حبس، أو أي شكل من أشكال الترهيب، ينبني على وقائع مشمولة بهذا العفو".  وتؤكد المادة الموالية أنه بعد موافقة الأطراف على مشروع نظام الحكم الذاتي، "يساهم مجلس انتقالي مكون من ممثلي الأطراف في تدبير عودة سكان المخيمات إلى الوطن ونزع السلاح والتسريح، وإعادة إدماج العناصر المسلحة التي توجد خارج تراب الجهة".

 

آخر تحديث للمقال : 06/08/2024 على 00h36

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال